الأردن تحت الضغط - هل ستنجح استراتيجياتنا في مواجهة مسلسل قرارات ترامب الاقتصادية؟

بقلم الدكتور عمر ارحيل بني مصطفى
ما زال مسلسل القرارات للرئيس الأمريكي مستمر ومن المتوقع المزيد من القرارات التي يمكن ان تطال الاقتصاد الأردني مع باقي الدول الأخرى، وبعد القرار الاخير والغير مفاجئ بفرض رسوم جمركية جديدة على الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة، يبدو أن هناك المزيد من التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تنتظر الأردن. ففي عام ۲۰۲٤ ، كان التبادل التجاري بين الأردن وأمريكا في أوج ازدهاره، حيث ارتفعت الصادرات الأردنية بنسبة %۱۲٫۸ ، مما يعكس النجاح الكبير للمنتجات الأردنية في اختراق السوق الأمريكي. لكن قرار ترامب في أبريل ۲۰۲٥ بفرض رسوم جمركية بنسبة %۲۰% على السلع الأردنية جاء ليقلب الموازين ويضع العديد من القطاعات الاقتصادية تحت ضغط شديد.
تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأردني
فرض الرسوم الجمركية العالية لن يؤثر فقط على قدرة المنتجات الأردنية في منافسة المنتجات الأخرى في السوق الأمريكية، بل سيزيد من تكاليف الإنتاج بشكل ملحوظ. يعني ذلك أن المنتجات الأردنية ستصبح أغلى، وبالتالي ستكون أقل جذبًا للمستهلك الأمريكي. ومن المعروف أن السوق الأمريكية هي واحدة من أكبر الأسواق التي يعتمد عليها الاقتصاد الأردني، خاصة في قطاعات مثل الألبسة والمنسوجات وأيضا قطاعات الأسمدة والصناعات الكيماوية وغيرها من القطاعات والتي تُعد من أعمدة الاقتصاد الوطني.
وفقًا لبيانات التجارة الخارجية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، بلغت قيمة الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال عام ۲۰۲٤ حوالي ۲٫۲۰۸ مليار دينار، ما يشكل نسبة ٢٥,٧٪ من إجمالي الصادرات الوطنية الأردنية ومن بين هذه الصادرات، تحتل صناعة الألبسة المرتبة الأولى، حيث تسهم بنسبة كبيرة في إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة. ومع فرض الرسوم الجمركية، من المتوقع أن تتراجع هذه النسبة بشكل كبير، مما سيؤدي إلى تقليص العائدات من هذا القطاع الحيوي.
إضافة إلى ذلك، تراجع هذه الصادرات سيؤثر على الميزان التجاري، الذي يشهد عجزًا كبيرًا في الأساس والذي بلغ ٩,٦ مليار دينار أردني خلال عام ۲۰۲٤ ، بزيادة نسبتها %۳٫۲ مقارنة بالعام السابق، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على العملة الوطنية (الدينار الأردني وزيادة التضخم. كما أن هذا التباطؤ في صادرات القطاعات الحيوية قد يحد من قدرة الحكومة على تحسين مستويات المعيشة للمواطنين، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة ومن المتوقع أن يفقد الاقتصاد الأردني الآلاف من الوظائف بسبب تراجع هذه القطاعات.
ما الذي يجب أن تفعله الحكومة الأردنية؟
من الضروري ان تقوم الحكومة بالتحرك الاستراتيجي السريع جدا والمدروس بشكل عقلاني الغير قائم على المدى القصير وذلك للحد من التأثيرات السلبية لمواجهة مسلسل القرارات، ويمكن ان نقترح باتخاذ بعض الاستراتيجيات التي يمكن الحد من ذلك:
1. إعادة فتح باب التفاوض مع الولايات المتحدة: يجب أن تبدأ مفاوضات جادة مع الولايات المتحدة لمحاولة تخفيف الرسوم الجمركية أو حتى إلغائها. هذه التوقعات يجب أن تكون مدعومة من داخل الدائرة المغلقة لصناعة القرار في الأردن وكذلك من قبل الشركات والقطاع الخاص، وذلك بهدف الوصول إلى حل يضمن استمرار تدفق المنتجات الأردنية إلى السوق الأمريكية.
2. فتح المزيد من الأسواق الجديدة للأردن حيث من الضروري تنويع أسواق الأردن التصديرية وعدم الاعتماد فقط على السوق الأمريكية. يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة لفتح أسواق جديدة في أوروبا وأفريقيا. هذا التنوع سيمنح الاقتصاد الأردني مرونة أكبر لتقليل تأثير أي أزمة تحدث في السوق.
3. تحفيز الشركات المحلية بحيث يجب على الحكومة أن تقدم المزيد من الحوافز الخاصة للشركات الأردنية العاملة في القطاعات المتأثرة، وذلك تخطط لتجاوز تداعيات الرسوم الجمركية. ويمكن أن تشمل هذه الحوافز على سبيل المثال تخفيضات ضريبية، أو تمويلات ميسرة تساعد على خفض التكاليف
4. الاستثمار في التطوير المحلي للمنتجات الوطنية وعلى الرغم من الصعوبات الحالية، إلا أن هذه الفترة قد تكون فرصة جيدة لتحسين جودة المنتجات الأردنية وزيادة قدرتها على المنافسة عالميًا. بحيث يجب أن يتم الاستثمار في تطوير الصناعات المحلية وتحسين جودة الإنتاج بما يتوافق مع معايير الأسواق العالمية التي من الممكن تحقيقها.
5ـ. إعادة النظر في تعزيز التعاون بين القطاعات بشكل عام وخاصة من الضروري إعادة تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ومواكبتها للتطورات الجارية على الساحة، وذلك من خلال إنشاء خطط تسويقية جديدة وتدريب القوى العاملة على التكيف مع احتياجات السوق العالمية. التعاون بين الحكومات والشركات الخاصة سيعزز قدرة الأردن على التعامل مع التحديات الاقتصادية بشكل أفضل.
في النهاية، ماذا تتوقع ؟
مع في ظل هذه الظروف، يجب أن يدرك الجميع أن التحديات الاقتصادية ليست نهاية الطريق. إذا تم التعامل مع هذا التحدي بشكل صحيح، فإن الأردن لديه القدرة على تجاوز هذه الأزمة وتحويلها إلى فرصة. من خلال التحلي بالحكمة في اتخاذ القرارات، وتحقيق سياسات تضمن استدامة النمو، ويمكن للأردن الحفاظ على مكانته الاقتصادية في السوق العالمية
إذن، ما يحتاجه الأردن الآن هو التحرك السريع والذكي، ومطلوب من الشركات الحكومية أن تعمل معًا لضمان أن التحديات الحالية لن تؤدي إلى تراجع الاقتصاد، بل إلى تحفيز عملية النمو والتطور في المستقبل.