مخطط إسرائيلي واسع في سوريا يتجاوز الأمن

شهدت الأراضي السورية خلال الأيام الماضية تصعيدًا ملحوظًا في الاعتداءات الإسرائيلية، شمل غارات جوية وتوغلات برية في مناطق متفرقة من البلاد، في خطوة اعتبرها مراقبون جزءًا من إستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى زعزعة الاستقرار ومنع أي جهود لإعادة إعمار سوريا.
واستهدفت الهجمات الإسرائيلية مواقع في دمشق وريفها، إضافة إلى حمص وحماة ودرعا، من بينها قصف مبنى البحوث العلمية في حي برزة وتدمير مدارج مطار حماة، إضافة إلى توغل بري قرب سد الجبيلية في محافظة درعا. وأكد الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن هذا التوغل، متذرعًا بمنع "وجود أسلحة في الجنوب السوري".
من جانبها، أدانت وزارة الخارجية السورية الهجمات ووصفتها بـ"الانتهاك السافر للقانون الدولي"، داعية المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم. كما انضمت تركيا إلى موجة الإدانة، معتبرة أن إسرائيل تسعى لإبقاء سوريا في حالة من الانقسام والضعف.
أهداف إسرائيل تتجاوز الأمن
يؤكد الدكتور مؤيد غزلان قبلاوي، الباحث السياسي، أن إسرائيل تسعى لإشعال نزاعات داخلية عبر استمالة مكونات اجتماعية سورية، في محاولة لتفكيك الجبهة الداخلية، لكنها تصطدم بتماسك شعبي متزايد، خاصة بعد التفاهمات الأخيرة مع "قسد" في حلب.
ويشير قبلاوي إلى أن الأولوية لدى السوريين اليوم هي التعافي الاقتصادي، لكنهم في الوقت ذاته مستعدون لمواجهة أي محاولات لزعزعة استقرار البلاد. كما حذر من عودة حزب الله وإيران إلى المشهد السوري في حال استمرار التصعيد الإسرائيلي.
وأكد أن دمشق تعوّل على تحرك عربي ودولي لتقديم شكاوى أمام مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، بسبب انتهاك اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
إسرائيل تسعى لفرض واقع إقليمي جديد
بدوره، يرى الدكتور مهند مصطفى، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن تل أبيب تستخدم ذريعة "حماية أمن سكان الشمال" لتبرير هجماتها، لكن الهدف الحقيقي هو منع نهوض دولة سورية قوية مستقرة. ويؤكد أن إسرائيل تسعى لفرض هيمنتها على مستقبل سوريا، ومواجهة النفوذ التركي المتصاعد هناك.
ويشير مصطفى إلى أن إسرائيل تعتمد إستراتيجية "التفتيت المدروس" عبر تغذية نزاعات داخلية والحفاظ على قنوات تواصل مع فصائل محلية، مستبعدًا أي نية لدى إسرائيل لإقامة علاقات طبيعية مع سوريا في المستقبل المنظور.
ويرجح أن انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة قد يحدث فقط في حال تحقق أحد ثلاثة سيناريوهات: ضغط عسكري خارجي، أو اتفاق سلام يتضمن تطبيعًا مع النظام السوري، أو تدخل أميركي مباشر، وهو ما يبدو مستبعدًا في ظل التفاهمات الحالية بين أنقرة وواشنطن.
تركيا: الهجمات الإسرائيلية تعرقل الاستقرار
من جهته، اعتبر الدكتور محمد أوزكان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الدفاع الوطني التركية، أن الاعتداءات الإسرائيلية "غير مقبولة" وتشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي. وأكد أن تركيا ترى في استقرار سوريا مصلحة قومية، وتسعى لتحقيقه عبر المسارات الدبلوماسية.
وأشار إلى أن أنقرة لا ترغب في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنها ترفض محاولات زعزعة أمن الجوار السوري، موضحًا أن التعاون العسكري بين أنقرة ودمشق قد يكون ممكنًا في إطار التنسيق الحدودي، دون أن يتطور إلى عمليات مشتركة.
إعادة ترتيب الإقليم
ويتفق الخبراء الثلاثة على أن التصعيد الإسرائيلي في سوريا لا يمكن فصله عن سياق إقليمي أوسع، يشمل إعادة رسم توازنات القوى في المنطقة. ويرون أن غياب موقف دولي حازم ساهم في تشجيع إسرائيل على المضي في سياسة "القضم التدريجي" للأراضي السورية.
ويواجه السوريون، بحسب المحللين، تحديين رئيسيين في المرحلة المقبلة: الأول هو تعزيز الوحدة الداخلية ورفض محاولات التقسيم، والثاني هو حشد ضغط عربي ودولي لإجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي ووقف الانتهاكات المتكررة.