العصيان... الخطر الذي نغفل عنه

قال الصحفي عبد الله المبيضين - ولاية أوهايو الأمريكية إن الدعوة إلى العصيان في الحالة الأردنية، بكل خصوصيتها السياسية، والاجتماعية، والتاريخية، لا تمثّل تمرينًا ديمقراطيًا، بقدر ما تعكس انزياحًا عن منطق الدولة، وانقلابًا ناعمًا على معادلة الاستقرار التي دفع الأردنيون – قيادة وشعبًا – أثمانًا باهظة من أجل تثبيتها في محيطٍ مضطربٍ ومُستنزف.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التلويح بتعطيل الحياة العامة، في ظل دولةٍ حافظت على درجةٍ عالية من التوازن في إدارتها للأزمات، يعد – في جوهره – فعل سياسي خطير يتجاوز النوايا المعلنة ليدخل في نطاق الفعل التفكيكي للبنية الاجتماعية والمؤسسية، ويُحدث شرخًا في الجبهة الداخلية التي تشكّلت على مدى عقود بوصفها الضامن الحقيقي لمناعة الدولة في مواجهة التحديات المتعاقبة.
وأشار المبيضين إلى أنّ الأردن لم يكن يومًا نظامًا منغلقًا أو معزولًا عن شعبه؛ ذلك أن بنيته السياسية تحتكم إلى آليات مدنية دستورية تتمثل في البرلمان، والنقابات المهنية، والمجتمع المدني، والإعلام الحرّ، وهي أدوات تغيير مشروعة، ومتاحٌ تفعيلها لمن أراد الإصلاح ضمن سقف الدولة، لا على أنقاضها.
أما الدعوة إلى العصيان، خصوصًا في ظروف داخلية دقيقة وإقليمية مهدّدة، فهي أشبه ما تكون بمحاولة هدم الهيكل على من فيه، إذ لا تُفضي إلى نهوض، وإنما تُفضي إلى شلل مؤسسي، وانقسام اجتماعي، وتدهور اقتصادي، لا سيما في قطاعات استراتيجية تمسّ حياة الناس اليومية كالصحة والتعليم والنقل، وكلما تراجعت هيبة القانون، كلما نشأت بيئة خصبة لتنامي خطاب الكراهية، وتحولت الساحات العامة إلى منصّات تعبئة عاطفية تستبدل الحجة بالتحريض، والتراكم السياسي بالحرق اللحظي، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه المبيضين إلى أن العصيان، حتى لو بدأ بسلميةٍ مبدئية، يبقى قابلًا للانزلاق نحو اللاتنظيم، بفعل ما يخلقه من فراغات أمنية وسياسية، تتسلّل منها أطراف داخلية أو خارجية لها مآرب تتجاوز المطالب المعلنة، فتُغذّي الانقسام، وتستثمر في التوتر، وتصطاد في المياه التي أُريد لها أن تكون عكرة.
ولفت الانتباه إلى أن من يُنادي بمسارات تفكيكية كهذه، يتجاهل – عن وعي أو غفلة – أن صورة الأردن، كدولة رصينة في محيطٍ مضطرب، هي رأس مال سياسي واقتصادي، إذ إن المستثمرين والداعمين الدوليين والشركاء التنمويين يراقبون عن كثب درجة الاستقرار السياسي والمؤسسي، ولا يغامرون في بيئات تهتزّ فيها الأرض تحت أقدام الدولة، وبالتالي، فإنّ أي خطاب عصيان لا يمسّ الداخل فحسب، بل يبعث بإشارات سلبية عبر الحدود، تُربك التحالفات، وتُقلق الحلفاء، وتُعيد ترتيب الأولويات في غير صالح الوطن.
وذكر المبيضين أن المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة ليس الصراخ، بل العقلانية الرشيدة، وليس تعطيل المؤسسات، بل إعادة تفعيلها وتجديد أدوارها، وليس انقلابًا على المشهد، بل تجذيرًا لمنطق الإصلاح التدريجي الذي يراكم المكاسب بدل أن يحرقها، ويُصحّح المسار من الداخل لا من الهامش.
واستطرد قائلًا إن القوة ليست في إيقاف عجلة الدولة، وإنما في توجيهها نحو مسارات أوضح وأعدل، مضيفًا أن الوعي الحقيقي لا يُقاس بمدى الحشد أو التصعيد، بقدر ما يقاس بمدى القدرة على حماية الوطن من الانجراف، والدفع به نحو الأفق الآمن.
وتابع المبيضين أن الأردن، اختار عبر تاريخه، أن يكون رصينًا لا متشنّجًا، عقلانيًا لا غوغائيًا، إصلاحيًا لا فوضويًا، وكل من يحاول جرّه إلى خارج هذه المعادلة، يعبث ببوصلة النجاة في إقليمٍ لا يرحم.