حقيقة بسيطة لكنها خطيرة بشأن دعوات العصيان في الأردن

قال الكاتب الصحفي سامح المحاريق إن كل مجتمع، يضم من يتموضع على أطراف المشهد - بين أقصى يمين وأقصى يسار- وهؤلاء، مهما بلغت حدّة خطاباتهم أو تشظّي رؤاهم، لا يُعَدّون خارجين عن النسق إلا بقدر ما يخرج القانون نفسه عن عدالته إن لم يتعامل معهم ضمن أطره المؤسسية الحازمة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يحدث أحيانًا لا يشي بمجرد انفعال مجتمعي مشروع، بقدر ما يتجاوز ذلك إلى ما يمكن وصفه بتجنٍّ سافر وظلم ممنهج، لا سيما حين تُترك الساحة فارغة فيُملأ هذا الفراغ بالضجيج.
وبيّن المحاريق أنه قد يكون من المفهوم، في لحظة وطنية موجعة، أن ترتفع النبرة وتتسع فجوة الخطاب، فالمجتمع اليوم مكلوم، وجريح، ويبحث عن صوت يعبر عنه، لكن في خضم هذا الانفعال، يطل سؤالان ثقيلان لا يجوز القفز فوقهما أو التعامل معهما كهوامش عابرة.
وذكر أن هناك من يروّج، بإصرار متكرر، لرواية مفادها أن الأردن شريك في دعم الاحتلال، سواء عبر شائعات التصدير أو الاتهام بالمواقف الرمادية، والسؤال هنا ليس فقط عن مصدر هذه الرواية، وإنما عن فشلنا الذريع في دحضها إعلاميًا ووطنيًا، وهو ما قد يعد دليلًا ساطعًا على عجزنا في توصيل رسائلنا الاستراتيجية وتوضيح مواقفنا الثابتة، ذلك أن استمرار هذا الانطباع، رغم وضوح المواقف الرسمية والشعبية، يشي بوجود ثغرة إعلامية قاتلة، أو ما يمكن وصفه بفشل مركب في هندسة الرسائل الاتصالية ذات التأثير الفعلي.
ثانيًا، أين هي الأحزاب؟... أين الأصوات الأخرى التي يُفترض بها أن توازن المشهد، وأن تخلق خطابًا مختلفًا، عقلانيًا، وطنيًا، ضاغطًا دون أن ينزلق نحو التهويل أو العدمية؟... كيف يُترك المشهد لحزبٍ يتعامل مع الواقع السياسي من داخل كهفٍ مغلقٍ من الأفكار، منفصل عن الشارع، منفصل عن الدولة، منفصل حتى عن ممكنات العقل السياسي؟... الغياب هنا ليس تواطؤًا، لكنه تقصير بحجم الخطر، وفقًا لما صرّح به المحاريق لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية.
واستطرد قائلًا إن الخطر يتمثل في أن الساحة الوطنية أصبحت مكشوفة لأجندات خارجية، تأتي من عواصم بعيدة، من إسطنبول أو غيرها، وتحاول فرض واقع موازٍ على الأردن ومصر، متجاهلة الخصوصيات، ومتجاوزة السيادة، وموظّفة حالة الغضب في إطار لا يخدم سوى من يريدون إنهاك مؤسسات الدولة أو تحويلها إلى سلطة عاجزة في نظر مواطنيها.
ولفت الانتباه إلى أن الإضراب، حين يتحول من وسيلة احتجاج ناضج إلى مشروع لتعطيل الدولة، يصبح أداة هدم لا بناء، فشتّان بين "يوم إجازة" تُفتح فيه المطاعم وتدور فيه العجلة الاقتصادية، وبين إضراب شامل يُشل فيه القطاع الصحي والتعليمي والنقل والخدمات... ثم يُطلب من الدولة ذاتها أن تتحمل تبعات الانهيار أو تموّل ما بعد الارتطام!.
وتابع المحاريق أن ثمّة من يصف المشهد بالتداخل والتناقض، إلا أن الحقيقة أبسط وأخطر، فنحن إزاء فراغ تتركه بعض الأطراف، فيملؤه طرفٌ واحد بخطابه، بإعلامه، وبأجندته.