الرواشدة يكتب:‏يحتاج الأردنيون إلى جرعة من التاريخ

{title}
أخبار الأردن -

 

‏حسين الرواشدة

‏يحتاج الأردنيون ، اليوم ، أكثر من أي وقت مضى ، إلى جرعة كبيرة من التاريخ، تاريخهم ، لكي يستعيدوا عافيتهم وانتعاشهم ، ويحافظوا على مناعتهم الوطنية ، ويعتزوا بدولتهم ، ويُقدّروا إنجازاتها ، ويعتزلوا منصات الشكوى والإحباط التي ولّدت لديهم خزانات كبيرة من التشكيك والقلق ، وربما افتقاد الهمة والروح الوطنية.

‏ما ذكره رئيس الوزراء الاسبق، أحمد عبيدات (في مقابلة مع التلفزيون العربي)، مؤخرا ، عن معركة الكرامة وعن دور جيشنا الباسل في تسجيل اول انتصار عربي ، ثم ما أوضحه عن الالتباسات في بعض الروايات التي كتبها غيرنا عن المعركة ، وعن تداعيات ما بعدها من أحداث ، يضيء لنا جزءا من الذاكرة التاريخية التي لم يجرؤ الكثيرون، حتى الآن ، على الإقتراب منها.

‏لماذا لا يتعلق الأردنيون بتاريخهم ،ولماذا يهرب اغلب المثقفين والفنانين ،وحتى المؤرخين ، من كتابة تاريخ بلدهم، ثم يتركون الفراغ ليملأه الآخرون بالزيف والكذب والخداع ؟ معقول دولة عمرها 100 عام، لها جذور ممتدة في التاريخ لآلاف السنين ، لا يوجد لديها مشروع "دراما" يقدم معركة الكرامة ، حين إلتحم الجيش والشعب والقيادة فانتصروا، أو " التشريقة الأردنية" حين تعاقدت العشائر مع الهاشميين لبناء الدولة الحديثة، أو القلاع الرابضة فوق جبال الشوبك وعجلون والكرك ، حيث انطلقت الثورات وتأسست الحضارات ، معقول لا تعرف أجيالنا الشابة عن أهم رجالات الدولة وبناتها ورموزها ، وعن شهدائها وإنجازاتها، وعن أدوارها السياسية والدينية ، وعن " الأمكنة " الأردنية وحركة المجتمع الأردني وقيمه وتقاليده؟

‏لماذا لم نفعل ذلك ؟ هذا سؤال كبير ، تحتاج الإجابة عليه إلى قامات تمتلك" الشرف الوطني "المجرد من الانتهازيات والمجاملات، تماما كما تحتاج ساعة المعركة إلى جنود يمتلكون "شرف الجندية" المنزهة عن الخوف والتردد والإستسلام ، لا أشير ،أبدا ، بأصابع الاتهام إلى أحد، لكن ألا يستدعي مثل هذا الغياب والإهمال ، وربما التواطؤ، ما يلزم من مصارحات، حتى لو كانت في غرف مغلقة، لكي نفهم ما حدث ، ولماذا ، والأهم ما يجب أن نفعله لإعادة الاعتبار إلى تاريخ الأردن الذي ظلمناه، كما ظلمه الآخرون ، وما اكثرهم، ما يجب أن نفعله ،هنا ، ينصرف إلى الجميع ؛ إدارات الدولة ومثقفي المجتمع، و رأس مالنا الوطني أيضا.

‏تصور ، الشخصية الأردنية -للأسف- دون غيرها من الشخصيات العربية، لم تجد من يدرسها ويفهمها ويقدمها على محمل الجد، علي الوردي قدم أفضل الدراسات الاجتماعية عن الشخصية العراقية ، جمال حمدان كتب عن الشخصية المصر ية، وكذلك فعل المغاربة( آخرهم أحمد الحبشي مثلا) وغيرهم من الشعوب، الآن في بعض دول الخليج ثورة ثقافية لإعادة كتابة تاريخهم من جديد ، وحدنا ما نزلنا نتعامل مع الشخصية الأردنية بمنطق الأنطباعات العابرة ، والسخرية والتسخيف، والقوالب الجاهزة.

‏هذه ليست صدفة أبدا ، لقد تعرضنا لهجمات باسم الدين والأيدولوجيا ، وباسم السياسة أيضا ، كان هدفها تشويه صورة الأردني، وطمس تاريخ الأردن، وإلحاق الأردنيين بمشاريع الآخرين، لدرجة وصلنا فيها ، أحيانا ، إلى الخجل من إشهار هويتنا الأردنية ، سواء لمراعاة مشاعر الآخرين، أو لإثبات أننا ندور في إطار العروبة والإسلام ، وكأن الاحتفاء بأردنيتنا والاعتزاز بهويتنا الوطنية يتعارض مع الإطار الإنساني والعربي والديني الذي نتشرف بالانتساب إليه.

‏لكي نبنى واقعنا على قاعدة صلبة من الإنجاز والرقي ، ولكي نضمن أن يكون لنا مستقبل نسأل عنه ونعِد أبناءنا به ، لابد أن نعيد كتاب تاريخنا الأردني بأقلامنا ، لا أقول نفعل ذلك لكي نستغرق فيه ونمجده ، وإنما لكي نستفيد من دروسه ونبني عليها ؛ لا يمكن لشعب أن يتعلم وينهض ويتقدم دون أن يستند إلى تاريخ أصيل وصحيح، يكون له بمثابة البوصلة التي تدفعه للنظر دوما إلى الأمام.

‏لابد ،أيضا ، أن نعرف وندرس سمات شخصيتنا الأردنية، عبقرية الأردن الذي نحت وجوده وحضارته في الصخر، كما فعل اجدادنا الأنباط في البتراء ، وأن نتسامى عن المقولات والهواجس والفزعات التي يرفعها البعض لتخويفنا من التفكير ، مجرد التفكير ، بأن لنا وطناً ودولة ، وذاكرة تاريخية وهوية ، وبأننا صمدنا وأنجزنا، وأصبنا وأخطأنا ، لا نقبل أن يزايد علينا أحد ، ولا ان نصبح "ملحقا " أو ظلا أو "رقما " في حسابات أي أحد.

 

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير