إدارة ترامب تدرس تخفيض قيمة الدولار.. والعرب يحبسون أنفاسهم

تثير الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب مخاوف بشأن تغيرات جذرية في المبادئ الاقتصادية الراسخة، إذ تتجه سياساته نحو إعادة النظر في أسس الرأسمالية التقليدية، وعلى رأسها حرية التجارة. ومن بين التوجهات المثيرة للجدل، تبرز إمكانية خفض قيمة الدولار الأميركي، الذي يُعتبر العملة الاحتياطية الأولى في العالم.
ووفقاً لتقارير إعلامية، يدرس فريق ترامب خطة لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي، من خلال تقليل قيمة الدولار بشكل مقصود. وعلى الرغم من أن قوة الدولار لطالما كانت رمزاً للهيمنة الاقتصادية الأميركية، حيث ساهمت في استقرار معدلات التضخم وجذب الاستثمارات الأجنبية، فإن مستشاري ترامب يرون أن ضعف العملة قد يدعم السياسة التجارية الحمائية التي يتبناها، بحسب ما نقلته صحيفة "التلغراف".
أسباب خفض الدولار وتأثيراته
يأتي هذا التوجه في ظل اعتقاد ترامب بأن ارتفاع قيمة الدولار يضر بالصناعة الأميركية، خاصة مع بلوغ العجز التجاري مستوى قياسياً بلغ 1.2 تريليون دولار في عام 2024، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال". كما أن بعض مستشاريه يرون أن وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية بات يشكل عبئاً اقتصادياً بدلاً من أن يكون ميزة.
ويشير خبراء إلى أن ارتفاع قيمة الدولار يقلل من تنافسية الصادرات الأميركية، ويجعل الواردات أقل تكلفة، مما يفاقم الخلل في الميزان التجاري. وتشير نماذج اقتصادية إلى أن الدولار قد يكون مُبالغاً في تقييمه حالياً، مما يدفع الإدارة الأميركية إلى البحث عن اتفاقيات جديدة مع دول أخرى لضبط هذه المعادلة، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".
اتفاقية بلازا.. نموذج تاريخي يُحتذى؟
ليست هذه المحاولة الأولى لخفض قيمة الدولار، ففي عام 1985، اجتمع مسؤولون من أكبر خمس اقتصادات في العالم (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا الغربية، فرنسا، والمملكة المتحدة) في فندق بلازا بنيويورك، حيث توصلوا إلى اتفاق يهدف إلى خفض قيمة الدولار بشكل منسق، فيما عُرف لاحقاً باسم "اتفاقية بلازا"، وفقاً لمنصة "بيكر إنستيتيوت".
ونجح الاتفاق آنذاك في تحقيق هدفه، لكنه أدى لاحقاً إلى ارتفاع مبالغ فيه لقيمة الين الياباني، ما ساهم في دخول الاقتصاد الياباني في مرحلة الركود خلال التسعينيات. وعلى الرغم من أن الوضع اليوم يختلف من نواحٍ عدة، فإن هناك تكهنات بأن إدارة ترامب قد تستوحي من تجربة "بلازا" ضمن مساعيها لإضعاف الدولار وتحسين الميزان التجاري، وفقاً لجامعة "هارفارد".
اتفاق دولي جديد؟
في ظل السياسات الحمائية المتزايدة، ظهرت تكهنات حول احتمال إبرام اتفاق دولي جديد قد يشبه "اتفاقية بلازا"، أطلق عليه بعض المحللين "اتفاقية مار-أ-لاغو"، في إشارة إلى منتجع ترامب الخاص في فلوريدا. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن مثل هذا الاتفاق -إن تحقق- قد يحمل تداعيات مشابهة لاتفاقية "بريتون وودز"، التي أرست النظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن بين المقترحات المثيرة للجدل التي طرحها ستيفن ميران، أحد مستشاري ترامب، إصدار سندات حكومية أميركية بدون فوائد تستحق بعد 100 عام، وإلزام الدول الحليفة بشرائها مقابل ضمانات أمنية أميركية. لكن وفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، فإن مثل هذه الخطوة قد تضعف الثقة في سوق السندات الأميركية، التي تُقدّر قيمتها بنحو 29 تريليون دولار.
انعكاسات خفض الدولار على الدول العربية
ترتبط العديد من الاقتصادات العربية بالدولار الأميركي، سواء من خلال ربط عملاتها به مباشرة أو عبر سلة عملات يُشكّل فيها الدولار النسبة الأكبر. وأي انخفاض في قيمة العملة الأميركية قد يحمل تداعيات اقتصادية واسعة، تشمل:
ارتفاع الأسعار: يؤدي ضعف الدولار إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة غير الأميركية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم.
ضعف القدرة التنافسية للصادرات: قد يؤثر انخفاض الدولار على الإيرادات التصديرية للدول العربية.
زيادة أعباء الديون: في حال كانت الديون مقوّمة بعملات أخرى، فإن ضعف الدولار يجعل سدادها أكثر تكلفة.
ارتفاع أسعار النفط: قد يؤدي ضعف الدولار إلى زيادة أسعار النفط العالمية، مما قد يؤثر على الدول المستوردة.
في ظل هذه التطورات، من المتوقع أن يكون لأي تحرك أميركي لتخفيض قيمة الدولار تأثير عميق على الاقتصاد العالمي، خاصة بالنسبة للدول التي تربط عملاتها بالعملة الأميركية، مما يستوجب استراتيجيات اقتصادية استباقية لمواكبة أي تغييرات محتملة.