النقرش يكتب: محادثات ترامب مع حماس: تحول استراتيجي أم مناورة سياسية؟

{title}
أخبار الأردن -

 

د. إبراهيم النقرش

في خطوة غير مسبوقة أثارت جدلاً واسعاً، كشفت تقارير سياسية عن محادثات مباشرة بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحركة حماس. هذه الخطوة، التي لم تجرؤ عليها الدول العربية والإسلامية ولا حتى السلطة الفلسطينية منذ عقود، مثلت تحولاً بارزاً في السياسة الأمريكية التقليدية، التي طالما صنفت حماس كمنظمة إرهابية ورفضت التواصل معها.

تأتي هذه المحادثات في سياق تاريخي طويل من التوتر بين واشنطن والفلسطينيين، حيث دعمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة حلّ الدولتين مع الاستمرار والإصرار على تصنيف حماس ككيان إرهابي منذ نشأتها. وقد عززت إدارة ترامب هذا الموقف بتبني سياسات داعمة لإسرائيل، كان أبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع المساعدات عن الأونروا، وطرح ما عُرف بـ"صفقة القرن"، التي قوبلت برفض فلسطيني وعربي واسع. ومع ذلك، فاجأت إدارة ترامب العالم بقرارها خوض حوار مباشر مع حماس، في خطوة رأى فيها البعض تحركاً براغماتياً (التصرف بطريقة عملية وواقعية لتحقيق نتائج وحلول) يهدف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية.

يُرجّح أن هذه الخطوة كانت مدفوعة بعدة عوامل، أبرزها سعي واشنطن إلى تهدئة الأوضاع في غزة لتجنب تصعيد عسكري يهدد مصالحها وحلفاءها في المنطقة. كما لعبت دول إقليمية مثل قطر ومصر دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، إضافة إلى سعي إدارة ترامب للحد من النفوذ الإيراني المتزايد في دعم حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.

تهدف هذه المحادثات إلى تحقيق عدة غايات، منها منع تصعيد عسكري في غزة، كما لا يُستبعد محاولة دمج حماس في العملية السياسية في سياق حل القضية الفلسطينية، إضافة إلى تقليل الدعم الإيراني للحركة عبر فتح قنوات اتصال مباشرة معها. ورغم هذه الأهداف، قوبلت المحادثات بانتقادات شديدة، لا سيما من إسرائيل، التي اعتبرتها تهديداً لأمنها وموقفها السياسي، بينما أبدت السلطة الفلسطينية رفضاً واضحاً لهذه الخطوة، خشية تعزيز مكانة حماس وتقويض نفوذها. وقد بلغ بها العجز والبَلَه السياسي حدّ وصف حماس بالخروج عن الخط الفلسطيني والتخابر مع دولة أجنبية، متناسية أن السلطة نفسها كانت نتيجة ولادة عسيرة برعاية دول أجنبية.

في المقابل، جاءت مواقف الدول العربية والإسلامية متباينة؛ حيث أبدى بعضها ترحيباً حذراً بالمبادرة، بينما عبّرت دول أخرى عن مخاوفها من أن تؤدي هذه المحادثات إلى زعزعة التوازن السياسي في المنطقة.

على الساحة الفلسطينية الداخلية، يُتوقع أن تُحدث هذه المحادثات تغييرات جوهرية في موازين القوى بين الفصائل. فإذا نجحت، ستعزز موقع حماس كفاعل سياسي معترف به دولياً، مما قد يُضعف نفوذ السلطة الفلسطينية المتهاوي. أما على صعيد العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، فمن المرجح أن تُثير هذه الخطوة توتراً بين الحليفين إذا شعرت تل أبيب أن واشنطن تقدم تنازلات غير مقبولة لحماس. وبالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، فإن نجاح هذه المحادثات قد يدفع واشنطن إلى انتهاج سياسة أكثر مرونة تجاه حركات المقاومة في المنطقة.

أما على صعيد السيناريوهات المستقبلية، فإن هذه المحادثات قد تُفضي إما إلى تهدئة طويلة الأمد وفتح آفاق جديدة للحوار السياسي، مما يُرسّخ حماس كلاعب أساسي على الخارطة السياسية للقضية الفلسطينية، أو إلى فشل يُؤدي إلى تصعيد جديد يُقوّي النفوذ الإيراني في المنطقة، الذي لا يزال يسعى لتعزيز موقعه. كما أن نجاح المحادثات قد يُعيد رسم العلاقة بين الولايات المتحدة وحماس، ويفتح المجال لتحول استراتيجي براغماتي في السياسات الأمريكية بالشرق الأوسط بما يخدم مصالحها، وقد ينعكس أثره على القضية الفلسطينية.

لكن يبقى السؤال: هل سيتجرأ العرب بعد ذلك على دعوة حماس ولو على فنجان قهوة وحديث غير رسمي في إحدى العواصم العربية؟

بغض النظر عن النتائج، فإن إدارة ترامب قد أقدمت على خطوة لم تجرؤ عليها الدول العربية والإسلامية منذ عقود، وهي فتح حوار مباشر مع حماس، ما يعكس تحولات عميقة في أولويات واشنطن وسعيها لإعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير