مسروجي تكتب: استعمار فلسطين: مشروع تهجير

{title}
أخبار الأردن -

  ربى مسروجي

منذ وعد بلفور مرورًا بقرار التقسيم، وصولًا إلى النكبة والنكسة، ظل المشروع الصهيوني قائمًا على ركيزتين أساسيتين: الاستيطان والتهجير. واليوم، تأتي تهجير سكان غزة كجزء من هذه المنظومة الاستعمارية، ولكن بأسلوب جديد يستبدل القوة العسكرية بالضغوط الاقتصادية، ويقدم مشاريع الإعمار كغطاء لمخطط إحلالي يستهدف الوجود الفلسطيني. ليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها مشروع تهجير الفلسطينيين، فقد شهد التاريخ الحديث محاولات متكررة، بدءًا من مخططات توطين اللاجئين في الدول المجاورة،

 ووصولًا إلى محاولات تصفية حق العودة. لكن جميع هذه المشاريع اصطدمت بصمود فلسطيني رافض لأي حلول تنتقص من الحقوق الوطنية الثابتة. واليوم، يعاد إنتاج الفكرة نفسها عبر ما يسمى «إعادة إعمار غزة»، حيث يُطرح التهجير كخيار «إنساني»، تحت ذريعة أن القطاع لم يعد صالحًا للحياة، وأن إعادة الإعمار قد تستغرق سنوات طويلة. غير أن هذه الادعاءات تتجاهل أن المناطق المنكوبة عالميًا أعيد بناؤها بسرعة أكبر بكثير حين توافرت الإرادة السياسية، كما حدث في تركيا بعد زلزالها الأخير. لم يكن العدوان الأخير على غزة مجرد تصعيد عسكري، بل كان جزءًا من مشروع استراتيجي يهدف إلى

 كسر إرادة الفلسطينيين ودفعهم نحو خيار الهجرة القسرية. وقد عبّر قادة الاحتلال علنًا عن نواياهم في هذا الاتجاه، لكن المقاومة الفلسطينية والموقف الشعبي الثابت حالا دون تحقيق هذه الأهداف. ومع فشل الاحتلال في فرض التهجير بالقوة، تحوّلت المعركة إلى حرب سياسية واقتصادية، حيث تُطرح مشاريع «التنمية والاستثمار» كغطاء لمحاولة إعادة تشكيل المشهد الديموغرافي، عبر تفريغ الأرض من سكانها وفتح المجال أمام استثمارات تخدم أطرافًا دولية وإقليمية، بينما يُترك الفلسطينيون أمام خيارين: البقاء في ظروف مأساوية، أو الهجرة إلى دول أخرى. القلق الإسرائيلي الحقيقي لا يكمن

 فقط في غزة، بل في الواقع الديموغرافي المتغيّر بين البحر والنهر، حيث بات الفلسطينيون يشكلون نسبة متزايدة من السكان، وهو ما تعتبره الأدبيات الصهيونية تهديدًا وجوديًا. فمنذ النكبة، بُذلت محاولات عديدة لتقليل عدد الفلسطينيين، لكن الواقع اليوم يعكس فشل هذه السياسات، حيث أصبح عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية يتجاوز عدد اليهود. لذلك، أي مشروع تهجيري ليس مجرد «حل إنساني»، بل هو محاولة لمعالجة الفشل الديموغرافي الإسرائيلي، عبر إعادة رسم الخريطة السكانية بما يخدم مصالح الاحتلال. إن مواجهة هذا المخطط لا تتطلب فقط رفضه إعلاميًا أو سياسيًا، بل

 تحتاج إلى تحرك عملي على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. المطلوب اليوم موقف فلسطيني موحد يتجاوز الانقسام، ويتحرك على المستوى العربي والإسلامي للضغط السياسي والاقتصادي على المصالح الأمريكية والصهيونية، إلى جانب تفعيل المسارات القانونية لمحاكمة الاحتلال على جرائم التهجير القسري، ورفع القضية إلى المؤسسات الدولية وفق المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر التهجير القسري للسكان تحت أي ذريعة. كما أن تصعيد المواجهة الشعبية والدبلوماسية بات ضرورة لإحباط أي محاولات لإعادة تسويق هذه المخططات تحت غطاء «التنمية»، إلى جانب الضغط

 العربي والإسلامي الفاعل لضمان عدم تمرير هذه السياسات بأي شكل من الأشكال. القضية الفلسطينية ليست ملفًا إداريًا يمكن تسويته بصفقة اقتصادية، ولا قضية إنسانية يمكن حلها بالمساعدات الدولية، بل هي قضية تحرر وطني، وجوهرها ليس تحسين ظروف الحياة تحت الاحتلال، بل إنهاء الاحتلال نفسه. لذلك، فإن أي محاولة لتقديم مشاريع التهجير كـ»حل إنساني» هي جزء من مخطط استعماري جديد، لن يكون مصيره مختلفًا عن المشاريع السابقة التي سقطت أمام صمود الفلسطينيين.

كثيرون، حاولوا إعادة صياغة المعادلة، متناسين أن فلسطين ليست للبيع، وإن الفلسطيني غير قابل للاقتلاع.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية