المساعيد يكتب: الأردن في مواجهة مخططات التهجير القسري للفلسطينيين: (موقف ثابت يحمي السيادة والاستقرار الإقليمي).
عصام المساعيد
الأردن بين الضغوط السياسية والثوابت الوطنية وسط التحديات الجيوسياسية المتصاعدة، يعود الحديث مجددًا عن مخططات تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، كجزء من مشاريع تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة على حساب الشعب الفلسطيني والدول المجاورة، إذ أن هذه المحاولات ليست جديدة، بل تأتي في إطار مساعٍ لإفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها وفرض حلول قسرية تتجاهل حقوق الفلسطينيين، وتقوض أمن الأردن واستقراره.
ولكن، كما كان الحال دائمًا، فإن الموقف الأردني بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ثابت لا يقبل المساومة: «لا للوطن البديل، لا لحلول على حساب الأردن، ولا لتصفية القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال» أن هذا الموقف ليس مجرد موقف سياسي، بل استراتيجية سيادية تستند إلى الدفاع عن الأمن الوطني الأردني، وحماية الحقوق الفلسطينية، وتعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي.
إن الأردن، بموقفه الواضح والصريح، ليس مجرد طرف متأثر بهذه التحديات، بل هو لاعب رئيسي يدير المشهد السياسي والدبلوماسي بحنكة ويعمل على حماية المنطقة من مخاطر أي تحركات غير محسوبة.
أولًا: الموقف الرسمي الأردني: «رفض مطلق واستراتيجية مواجهة شاملة».
1- الموقف الأردني رفض لا لبس فيه أبداً:
جلالة الملك عبدالله الثاني، ومنذ بداية الحديث عن تهجير الفلسطينيين، أكد مرارًا أن الأردن لن يكون طرفًا في أي مشروع يهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي والسياسي في المنطقة على حساب سيادته واستقراره، وقال في تصريحات رسمية: «لن نقبل بأي حل على حساب الأردن، ولن نسمح بتصفية القضية الفلسطينية تحت أي ظرف».
كما شدد وزير الخارجية أيمن الصفدي على أن أي محاولة لفرض تهجير الفلسطينيين بالقوة هي جريمة حرب تخالف القانون الدولي، وستؤدي إلى تداعيات كارثية على المنطقة بأكملها، مضيفًا: «الأردن لن يسمح بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ولن يكون شريكًا في أي مشروع يؤدي إلى تقويض حقوقهم الوطنية المشروعة».
2- الدعم الدولي للموقف الأردني ويبرز من خلال التالي:
الاتحاد الأوروبي أكد رفضه للتهجير القسري، حيث صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: «أي محاولة لفرض حلول قسرية تتعارض مع القانون الدولي وستؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة».
اما الأمم المتحدة حذرت من التداعيات الكارثية لأي محاولة تهجير قسري، معتبرة ذلك انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي، كما أن روسيا والصين أعربتا عن رفضهما لمحاولات التهجير القسري، معتبرتين أن ذلك يعيد إنتاج أزمات إقليمية خطيرة.
بينما موقف مصر يتطابق مع الموقف الأردني، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن بلاده لن تقبل بتوطين الفلسطينيين في سيناء، وأن أي محاولة لفرض ذلك ستعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.
ثانيًا: المخاطر الاستراتيجية للتهجير القسري على الأردن وتتمثل في ثلاث محاور رئيسية وهي:
1- التهديد الديموغرافي والسياسي والمخاطر الأمنية: الأردن يستضيف أكثر من 2 مليون لاجئ فلسطيني، وأي محاولة لتهجير سكان غزة ستؤدي إلى اختلالات سكانية خطيرة، وتزيد الضغوط على الاقتصاد والبنية التحتية، هذا السيناريو يهدد بتغيير الهوية الوطنية الأردنية ويعيد إحياء فكرة الوطن البديل، وهو ما يتناقض تمامًا مع ثوابت الدولة الأردنية، حيث أن إدخال أعداد كبيرة من اللاجئين قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية تؤثر على استقرار المملكة، مع وجود مخاطر امنية وعسكرية قد تؤدي الى توسع نطاق الصراع لكن الجيش العربي «القوات المسلحة الأردنية» على أهبة الاستعداد لحماية الحدود، وهو ما أكده جلالة الملك حين قال: «الأردن قادر على حماية حدوده وأمنه، ولن نسمح بتهديد استقرارنا».
2- التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية: وفقًا لتقارير البنك الدولي، فإن استيعاب موجة جديدة من اللاجئين سوف يُكلف الأردن مليارات الدولارات سنويًا، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الوطني، فمعدل البطالة في الأردن يصل حاليا إلى 22.8%، وأي زيادة في عدد اللاجئين ستؤدي إلى مزيد من الضغوط على فرص العمل والبنية التحتية، كما أن الأردن يعمل على تطوير سياسات اقتصادية استباقية، تشمل تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول المانحة، واستثمار دعم المجتمع الدولي في تطوير مشاريع تنموية تقلل من الأعباء الاقتصادية على البنية التحتية.
هنا من الجدير بالذكر «الريمونتادا الأردنية في مواجهة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً»، والذي شمل الأردن، إذ سارعت القيادة الأردنية لتعزيز شراكتها الدولية كخطوة استباقية، وففي 29 يناير 2025، شهد جلالة الملك عبدالله الثاني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي في بروكسل، والتي تتضمن حزمة مساعدات مالية بقيمة 3 مليارات يورو للأعوام 2025-2027، حيث أن هذه الخطوة الاستراتيجية تعكس قدرة الأردن على تنويع شراكاته الدولية وتعزيز مكانته كشريك موثوق به على الساحة العالمية، مما يسهم في تعزيز استقراره الاقتصادي والسياسي.
ثالثًا: التحركات الدبلوماسية والقانونية للأردن: «دفاع شرس عن السيادة الوطنية».
الأردن يقود جهودًا دبلوماسية نشطة في الأمم المتحدة لإدانة أي مخططات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، ويعمل على تعزيز العلاقات مع الدول الأوروبية لممارسة ضغوط دولية ضد أي حلول قسرية، لكني اعتقد بأنه يجب علينا رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد أي جهات تحاول فرض تهجير قسري، واعتبار هذه الممارسات جرائم حرب.
رابعًا: الأردن كعامل استقرار في المنطقة
رغم كل هذه التحديات، يظل الأردن عامل استقرار رئيسي في المنطقة، يسعى لحل عادل للقضية الفلسطينية، ويحافظ على أمنه واستقراره في مواجهة أي تهديدات خارجية.
جلالة الملك أكد في أكثر من مناسبة أن الأردن لن يسمح بأي تحركات تمس استقراره وأمنه القومي، قائلاً: «نحن دولة ذات سيادة وقرار مستقل، ولن نقبل بأن يكون الأردن ضحية لحلول مفروضة علينا» كما أن الأردن يعمل على تشكيل تحالف دولي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين ومنع أي محاولات تهجير قسري.
في الختام، يبقى الموقف الأردني واضحاً لا يقبل المساومة فالأردن لن يسمح بأن يكون طرفًا في أي مشروع يهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، والشعب الأردني موحد في رفضه لأي حلول على حساب المملكة، كما أن القيادة الأردنية تمتلك الأدوات الدبلوماسية والقانونية لحماية الأردن من أي تهديدات سياسية أو ديموغرافية أو أمنية.
ان رسالتنا إلى العالم هي أن الأردن ثابت في مواقفه، ولن يخضع للضغوط، ويمكننا تلخيصها كالتالي:
- العالم اليوم أمام اختبار تاريخي: إما الوقوف مع العدالة والقانون الدولي، أو السماح بجرائم حرب جديدة بحق الفلسطينيين، حيث إن التهجير القسري ليس حلًا، بل جريمة حرب يجب أن يتصدى لها المجتمع الدولي.
- الأردن سيواصل قيادة الجهود الدبلوماسية لحماية حقوق الفلسطينيين ومنع أي محاولات لتغيير الخريطة السياسية المنطقة، ولن يقف متفرجًا على أي محاولات لإعادة رسم المنطقة على حساب استقراره وأمنه القومي.
هذا ليس موقفًا سياسيًا مؤقتًا، بل هو موقف استراتيجي طويل الأمد يعكس إيمان الأردن بعدالة القضية الفلسطينية والتزامه بحماية أمنه القومي مهما كانت الضغوطات والتحديات.

