الدرعاوي يكتب: ابتزاز برعاية رسمية
سلامة الدرعاوي
تصريحات رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي تحت القبة وبشكل علني في جلسة الأربعاء، واتهاماته لوزير المالية بأنه لا "يمون" على مدير دائرة لديه، وأن الأخير يبتز النواب، تشكل بحد ذاتها أعلى درجات الابتزاز العلني والمباشر أمام الرأي العام، لكن هذه المرة تحت رعاية رسمية من قبل المجلس النيابي.
اتهامات غير مسبوقة، ولأول مرة في تاريخ مجالس النواب، يستخدم رئيس المجلس صلاحياته النيابية والإدارية الواسعة في المجلس ليصبّ كل ضغوطه على الحكومة ومؤسساتها ودوائرها التي ترفض الانصياع لطلبات النواب التي لا تنتهي، والتي في غالبيتها مخالفات قانونية، في محاولة لتمرير ما يريده النواب.
ليس جديدا أن يتوسط النواب ويتقدموا بخدمات ومطالب وتعيينات من مسؤولي الحكومة على مختلف مستوياتهم، فهذا سلوك أصيل لدى غالبية النواب، لكن جرت العادة أن تكون تلك الطلبات في الكواليس، وفي الغرف المغلقة، والاتصالات السرية، أما أن تكون علنية وتحت قبة البرلمان، فهذه سابقة خطيرة تنذر بأمور سلبية عديدة في المستقبل القريب.
كان من المفترض أن يقوم رئيس مجلس النواب بكشف ملابسات اتهاماته للحكومة وللوزير ومدير الدائرة بالابتزاز، وأن يعرض القضية ويكشف تفاصيلها إن كان يملك الشجاعة لذلك.
لكن ما قام به كان واضحًا للرأي العام والمراقبين، ويعتبر شكلا من أشكال الضغوط التي يمارسها النواب على الحكومة.
هذه الحادثة، وقبلها الاعتداء الصارخ غير الدستوري على شركة الفوسفات وتشكيل لجنة نيابية للتحقيق في أنشطتها، وكأن الشركة ليس لها مالكون أو مساهمون، تُشير بوضوح إلى الاعتداء والاستقواء على المال الخاص والمدخرات وحملة الأسهم والمستثمرين وبيئة الأعمال برمتها، مما يشكل خرقا صريحا للدستور والقوانين، وانحرافا تاما عن بوصلة الرقابة والتشريع المناطة بالنواب، الذين تحولوا إلى "معقبي معاملات".
قلتُ في السابق إن عام 2025 سيشكل تحديا كبيرا أمام عمل الحكومة في عدة جوانب أهمها تتعلق بعلاقتها مع مجلس النواب، الذي بدت عليه ملامح الضغط على الحكومة منذ اليوم الأول.
سلوك النواب واندفاعهم بهذا الشكل الكبير للضغط على أجهزة ومؤسسات الدولة أمر طبيعي في ظل عمليات الإصلاح الإداري والاقتصادي التي تقودها الحكومة، وتطبيق سيادة القانون والعدالة، فهذا الأمر لا يعجب الكثير من النواب، خاصة مع إغلاق "حنفية الإكراميات" من الإعفاءات الطبية والتعيينات والتنفيعات التي كانوا يحصلون عليها هنا وهناك، لذلك، أدرك بعضهم أن الاكتساب الجديد من العمل النيابي يكون عبر إنجاز المعاملات لدى دوائر الدولة المختلفة، باعتبارها باب رزق جديدا.
سلوك النواب يدفعنا للتساؤل حول الأسباب الحقيقية لعدم التزامهم بتطبيق مدونة السلوك في التعامل مع مؤسسات الدولة، والمهم أكثر من ذلك هو معرفة الأسباب الكامنة وراء عدم تطبيق قانون الكسب غير المشروع عليهم، والسؤال الذي يتردد في عقول الكثير من الأردنيين: من أين لكم هذا؟ النواب أصحاب ولاية دستورية في التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية من خلال آليات حددها الدستور ذاته والأنظمة والقوانين، وليسوا " معقبي معاملات " كما يعتقد البعض منهم مع كل أسف.
عثرات خطيرة ورسائل سلبية بثها النواب للشارع في هذا الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى إدارة مسؤولة وعقلانية من مؤسسات الدولة المختلفة، لمواجهة التحديات والمستجدات الراهنة بروح منفتحة، وإدارة مسؤولة عنوانها: العدالة، التنمية، والمساواة.

