الشرفات يكتب: الجهل مدمر
سعود الشرفات
قصص وروايات كثيرة ما زلت أتذكرها عن جدي رحمة الله. منها هذه القصة الحقيقية؛ التي أخبرني جدي أن الشخص الذي حصلت معه القصة هو الذي أخبر جدي بها من باب الحديث عن غرائب الأمور وجهل الأنسان اللامحدود بما يدور من هندسة كونية في هذا العالم.
تقول القصة باختصار أن هذا الرجل البدوي خرج من بيته صباح يوم ربيعي يتفقد المراعي، ثم كان أن جلس للاستراحة وسط روضة خضراء وسط الصحراء مترامية الأطراف.
أثناء جلوس هذا الرجل لاحظ مشهدا غريبا أثار فيه الفضول فأخذ يراقب باهتمام شديد هذا المشهد.
أكيد تسألون ما المشهد؟
يقول الرجل بأنه شاهد "حرذون" صحراوي (الحرذون نوع من السحالي صغيرة الحجم) يسعى مسرعا ذهابا وإيابا في حركة مستمرة وضمن مسار محدد بين نقطتين في جهتين مختلفتين، وهو مشغول وغير متنبه لوجود الرجل.
ركز الرجل اهتمامه أولا على معرفة ماذا يفعل هذا الكائن البائس في هذه الروضة؟ فقرر أن يستكشف ماذا يفعل.وما هو سر سلوك هذا الكائن ذهابا وإيابا بسرعة كبيرة من جهة إلى أخرى .
تمكن الرجل بعد فترة من المراقبة الحثيثة أن يكتشف أن الحرذون يأكل من جيفة أفعى نافقة، ثم يعود ادراجه مسرعا ويأكل من شجيرة برية، ثم يعود ويأكل من الأفعى ثم يعود مسرعا إلى الشجيرة. وهكذا طوال فترة مراقبة الرجل له من بعيد.
فكر الرجل كثيرا في سلوك هذا الكائن البائس، ودار في ذهنه الكثير من الأسئلة. لماذا يفعل ذلك وما الفائدة منه، وما سر هذه الشجيرة بالذات ولماذا يأكل منها ؟
وأمام جهل الرجل المطبق حول سلوك الحرذون قرر الرجل التحرك لحسم المسألة ومعرفة أسباب سلوك الحرذون فما كان منه إلا أن قام وبسرعة وفي اللحظة التي ذهب بها الحرذون ليأكل من الأفعى بقلع الشجيرة من قعرها ورمى بها بعيدا ثم ابتعد مسرعا ليرى ماذا سيفعل الحرذون.
عاد الحرذون مسرعا بنفس المسار مثلما كان يفعل حتى وصل مكان شجيرة لكنه لم يجدها.
لف الحرذون المسكين ودار بسرعة كالمجنون حول المكان لكنه لم يجد شجرته! ثم توقف عن الحركة رافعا رأسه إلى أعلى، وما هي إلا لحظات إلا وانتفخ وسقط على ظهره ميتاً.
يقول الرجل بأنه انصعق، واصابة الذهول أمام هذا المشهد، ودخل في غمٍ وحزنٍ شديد لأيام طويلة وهو يتفكر في ما فعل. وعندما صفا ذهنه بعد أيام تذكر موضوع الشجيرة فذهب يبحث عنها ليعرف ما هي وما نوعها أو إسمها وسرها المكنون، لكنه لم يعثر عليها. لكنه عرف بالتجربة المدمرة أن تلك الشجيرة البرية كانت تعمل بمثابة الترياق لسم الأفعى التي كان الحرذون يأكل منها.
المغزى من القصة؛ أن جهلنا بما يدور حولنا في هذا الكون يمكن أن يكون قاتلا. وأن الإنسان كان وسيبقى عدو ما يجهل. وأن أفعالنا التي نعتقد بأننا نطرد الجهل بها هي قاتلة وأن بعض الإجابات مدمرة وأن الأنسان فقط ككائن عاقل ويفكر سواءً يصدر عن جهل أو معرفة وإدراك لما يفعل؛ هو الكائن الأكثر قدرة على تدمير وتحطيم الهندسة الكونية وبالتالي تدمير العالم.

