بني مصطفى يكتب: توقف الدعم الأمريكي للأردن: أزمة تهدد الاقتصاد أم فرصة للتغيير؟

{title}
أخبار الأردن -

 

بقلم الدكتور عمر ارحيل بني مصطفى

لطالما شكلت المساعدات الخارجية ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الأردني، حيث لعبت المساعدات الأمريكية تحديدًا دورًا استراتيجيًا في الحفاظ على استقرار المملكة اقتصاديا وسياسياً وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية والإقليمية. فمنذ سنوات، اعتمدت الأردن على هذه المساعدات لتمويل مشاريع تنموية، ودعم القطاعات الحيوية، والتخفيف من الضغوط التي فرضتها أزمات المنطقة، مثل استضافة اللاجئين. ومع ذلك، فإن احتمالية توقف هذه المساعدات يفتح الباب أمام تساؤلات مصيرية حول مستقبل الاقتصاد الأردني، ومدى قدرته على الصمود في مواجهة هذه التحديات دون دعم خارجي. وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ملحة لتحليل التأثيرات المحتملة لهذا التوقف، واستعراض الخيارات المتاحة لتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وبناء اقتصاد أكثر استقلالية واستدامة.

خلال الفترة من 2013 إلى 2015، قدمت الولايات المتحدة ضمانات قروض للأردن بقيمة إجمالية بلغت 3.75 مليار دولار، مما ساعد المملكة في الحصول على تمويل بشروط ميسرة.  بالإضافة إلى ذلك، دعمت الولايات المتحدة الأردن بضمانات قروض بلغت 7.5 مليار دولار، مما وفر على المملكة أكثر من 600 مليون دولار من تكاليف الفوائد على مدى خمس سنوات.

منذ عام 2015، تجاوزت المساعدات الأمريكية للأردن 1.5 مليار دولار سنويًا، متفوقةً على الأهداف المحددة في مذكرات التفاهم الثنائية. على سبيل المثال، في عام 2018، تم توقيع مذكرة تفاهم تعهدت الولايات المتحدة بموجبها بتقديم 6.375 مليار دولار على مدى خمس سنوات، أي بمعدل 1.275 مليار دولار سنويًا. 

وايضاً في عام 2024، خصصت الولايات المتحدة 1.450 مليار دولار كمساعدات اضافية للأردن، موزعةً بين  1.035مليار دولار كمساعدات اقتصادية و 400 مليون دولار كمساعدات عسكرية، بالإضافة إلى تمويلات أخرى لمكافحة الإرهاب والمخدرات وتعزيز إنفاذ القانون.

 واليوم ما زال الاقتصاد الأردني يعاني من تحديات متعددة، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 24% في عام 2024، وزيادة الدين العام الذي وصل إلى 95% من الناتج المحلي الإجمالي. بحيث تعتمد الحكومة الأردنية على المساعدات الخارجية لتمويل حوالي 12% من ميزانيتها، التي تلعب المساعدات الأمريكية دورًا رئيسيًا في هذا السياق.

قد يؤدي توقف المساعدات الأمريكية إلى تفاقم العجز المالي في الأردن، حيث تعتمد الموازنة العامة على هذه المساعدات لتغطية جزء كبير من الإنفاق الحكومي. ومن المتوقع أن تواجه القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية تحديات كبيرة، مما قد يؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، ستتأثر القدرات العسكرية، حيث تُستخدم المساعدات لتحديث المعدات العسكرية وضمان الجاهزية الأمنية. 

وهذا التوقف قد يزيد من معدلات البطالة والفقر نتيجة لتراجع الإنفاق الحكومي، مما يؤدي إلى ضغوط اجتماعية واقتصادية كبيرة تهدد استقرار المملكة.

ومن الاستراتيجيات الممكنة لتخفيف الأثر ومواجهة تداعيات توقف المساعدات، يجب على الأردن تبني استراتيجية شاملة لتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي. أولًا، يمكن تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تحسين بيئة الأعمال وتقديم حوافز مشجعة. ثانيًا، تنويع الاقتصاد بالتركيز على قطاعات واعدة مثل السياحة، التكنولوجيا، والطاقة المتجددة يمكن أن يعزز مصادر الدخل الوطني. ثالثًا، يجب العمل على توسيع الشراكات الاقتصادية مع دول أخرى لتنويع مصادر الدعم المالي. وأخيرًا، من الضروري تنفيذ إصلاحات وتحديثات مالية وإدارية لزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي وتعزيز الإيرادات المحلية، مما يساهم في بناء اقتصاد أكثر استقلالية واستدامة.

وفي الختام، تبدو فكرة توقف هذه المساعدات تحديًا وجوديًا يتطلب من الأردن مواجهة واقعه الاقتصادي بجرأة واستشراف استراتيجيات مبتكرة للمستقبل. إن الاعتماد المفرط على المساعدات لا يمكن أن يكون حلًا دائمًا، بل هو جسر ينبغي أن يقود المملكة نحو تحقيق استقلال اقتصادي متكامل ومستدام. ومن هنا، يصبح تعزيز الاستثمار المحلي، وتنويع الاقتصاد، وتنفيذ إصلاحات مالية جادة، ضرورة لا بد منها لضمان استمرارية التنمية والازدهار. إن الأردن، بتاريخ طويل من التحديات والنجاحات، قادر على إعادة صياغة نموذج اقتصادي يقوده نحو الاستقلال المالي، مستندًا إلى كفاءته الداخلية وإمكاناته الوطنية، مما يعزز مكانته كواحة للاستقرار في منطقة مضطربة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية