كراجة يكتب: منهج ترامب

{title}
أخبار الأردن -

سائد كراجة 

عقيدة المشروع الصهيوني منذ تأسيسه هي تهجير الفلسطيني، وتوطين اليهود في أرض فلسطين التاريخية الذي اقتضى إفراغها من أهلها الأصليين، وغزة التي استقبلت 200 ألف لاجئ هجروا قصراً إليها عام 1948- وكان عدد سكانها الأصليين 80 ألفًا- شاهدة على ذلك. 

مصر كما الأردن تلقت طلباً «ترامبياً» وليس حكومياً أميركياً باستقبال غزيين، والمثير للدهشة أن مصر، استُثنيت من قرار وقف المساعدات الذي شمل الأردن، هذا التمييز قد يوحي بتغيير في المعاملة التفضيلية التي حظي بها الأردن على مدى عقود من الإدارات الأميركية المتعاقبة، وقد يعتبر أول إجراء عملي علني لاستخدام المساعدات للضغط على الأردن والتأثير في مواقفه من القضية الفلسطينية.

في كتابه «فن الصفقة» الذي نشر عام 1987 روج ترامب لأسلوبه في العمل، ومختصر مبادئ الكتاب؛ المفاوضات بعدل القوة وليس قوة العدل، خلق الفوضى وإرباك الخصم، Chaos as a strategy، تجاوز القواعد واللعب خارج المألوف.

يبدو أنه يحاول تطبيق نفس هذه الأساليب في السياسة، ولكن ما يغيب عن ذهن ترامب أن السياسة عمل متراكم معقد، وليس صفقات معزولة وأن الأوطان ليست عقارات لتسديد ديون أو تحقيق مكاسب سياسية وأن هناك قيماً ومبادئ ليس لها ثمن على عكس ما يعتقد بأن لكل شيء ثمنا.

بسبب الجوار الجغرافي بين مصر وغزة الذي يجعل من مصر أكثر ترشيحاً لخيالات ترامب تهجير الغزيين إليها فإني أعتقد أنه باستثناء مصر من تجميد المساعدات يحاول تقديم حوافز اقتصادية لها. على صعيد آخر فإنه يحاول خلق حالة إرباك على جبهة الأردن تمهيداً لتقديم عرض ما بخصوص الضفة الغربية، والتي تشهد حالة تفكيك داخلي بهدف إحداث فراغ إداري واقتصادي قد يخلق حالةً من الفوضى يصبح معها التهجير- ناعماً كان أم خشناً– خياراً وتحدياً مطروحًا على الأردن. 

الأردن ومصر أعلنتا رفضهما لمقترح ترامب، الأردن بجلاء رفض التهجير، وأعلن وزير الخارجية الأردني أن رفض التهجير ثابت أردني لن يتغير، في حين أكدت الخارجية المصرية استمرار دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.
الأردن يتحرك بحزم، ويكثف الجهود الدبلوماسية العربية والإسلامية والعالمية لدعم موقفه الرافض للتهجير، وهو يحظى بدعم عالمي مؤثر لموقفه، وأعتقد أن تحركاً خاصاً نحو المملكة العربية السعودية؛ نظراً لمكانتها العربية وعلاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة يُعد خطوة إستراتيجية مهمة، ولا شك في أن هذا الأمر حاضر في ذهن القيادة الأردنية على الصعد جميعها. ضروري أن نتحضر دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً لاحتمال أن هناك تغييراً إستراتيجياً في موقف أميركا نحو الأردن.

في هذا الظرف الدقيق لا داعي للجزع ونشر الخوف والأقاويل، الأردن سيخرج سالماً من هذا الموقف، وللوصول لشط الأمان علينا الاستمرار في دعم صمود أهل غزة وأهل الضفة على أرضهم لتعزيز صمودهم الأسطوري، وبنفس الوقت الاستمرار في تحركنا الدبلوماسي عربياً ودولياً وحتى أميركياً، وفي كل الأحوال فإن الأهم هو

جبهتنا الداخلية، فالظرف يتطلب ترك الخلافات على الحدود وتوحيد الصفوف. يجب إرسال رسالة واضحة للداخل والخارج بأن الجميع يقفون صفًا واحدًا دون مواربة، خلف الوطن، والملك، والحكومة، والدولة، تحت شعار واضح هو الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين، وإذا كان ترامب قلقاً على أهل غزة فليوقف جريمة الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضدهم وليدخل المساعدات لهم وهم قادرون على تقرير مصيرهم وبناء مستقبلهم، وإذا عنده شك

فليراجع موكب العودة المهيب الذي ساره الغزيون نحو الركام الذي يدل على إجرام إسرائيل وكرامة هذا الشعب الأسطوري العظيم. علّه يفهم جنابك.


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير