قندح يكتب: تَحْوِيل التِّكْنُولُوجيا إلى مُحَرِّك رئيسي للنمو الاقتصادي

{title}
أخبار الأردن -

د.عدلي قندح

تشكيل المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل هو خطوة بالغة الأهمية نحو استغلال الإمكانات الهائلة التي توفرها التكنولوجيا لتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز تنافسية الأردن في المشهد الإقليمي والعالمي. هذه المبادرة ليست مجرد استجابة للتطورات العالمية المتسارعة، بل هي رؤية متكاملة تسعى إلى تحويل التكنولوجيا من مجرد وسيلة إلى محرك رئيسي للنمو الاقتصادي، قادر على إعادة تعريف أولويات التنمية الوطنية وتحقيق قفزة نوعية في مختلف القطاعات.
لتحقيق هذه الرؤية الطموحة، لا بد من العمل على تطوير تشريعات حديثة ومرنة تستوعب طبيعة التغيرات التكنولوجية المتسارعة. القوانين الحالية تحتاج إلى تحديث جذري لضمان توافقها مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، حيث ينبغي أن تشمل هذا التحديث مجموعة واسعة من التشريعات المتعلقة بحماية البيانات الشخصية، وتنظيم الذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية، وأطر الأمن السيبراني. بالإضافة إلى ذلك، يجب النظر في تطوير التشريعات التي تدعم الاقتصاد التشاركي والمنصات الرقمية، مثل تطبيقات النقل والتوصيل والخدمات المنزلية. كما يجب التركيز على تشريعات تحكم العملات الرقمية وتقنيات البلوك تشين لضمان الشفافية وحماية المستهلكين، إلى جانب قوانين خاصة بحقوق الملكية الفكرية التي تتعلق بالمنتجات الرقمية والابتكارات التكنولوجية.
هذا الإطار التشريعي يجب أن يكون شاملاً ومتكاملاً ليعزز الثقة بين المستثمرين المحليين والأجانب، ويشجع على تبني التكنولوجيا في القطاعات المختلفة، مثل التعليم والصحة والزراعة والصناعة، مع ضمان تحقيق العدالة الرقمية وتوفير بيئة قانونية مرنة تدعم ريادة الأعمال وتواكب التطورات السريعة في الابتكارات التكنولوجية. علاوة على ذلك، ينبغي أن تراعي القوانين الجديدة قضايا مثل الخصوصية الرقمية، والتنظيم العادل للمنافسة في الأسواق الرقمية، والتعامل مع تحديات العمل عن بُعد، بما يضمن حقوق العاملين في الاقتصاد الرقمي الجديد.
إلى جانب التشريعات، يتطلب النجاح إنشاء إطار مؤسسي جديد ومتكامل قادر على إدارة هذه الرؤية وتنفيذها بكفاءة. المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل يجب أن يتجاوز دوره التقليدي كمجلس استشاري ليصبح مركز قيادة حقيقي للتحول التكنولوجي في الأردن. هذا يتطلب تصميم هيكل تنظيمي مرن يضم وحدات متخصصة لتطوير السياسات، متابعة تنفيذ المشاريع، قياس الأثر، وإدارة الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الدولية. الإطار المؤسسي الجديد يجب أن يعمل كمنصة لتوحيد الجهود بين الجهات المختلفة، الحكومية والخاصة، لضمان التكامل والتناغم في التنفيذ.
من المحاور الأساسية التي يجب التركيز عليها تطوير السياسات التعليمية، لتصبح أكثر توافقًا مع التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة. التعليم التقليدي بحاجة إلى إعادة صياغة جذريّة، بحيث يتم فتح المجال، بشكل اكبر، أمام التعليم عن بُعد وتقنيات التعلم الافتراضي، مما يتيح للطلاب في جميع أنحاء المملكة الاستفادة من الفرص التعليمية الحديثة دون قيود جغرافية. كما أن تخفيف شروط التوسع في الجامعات من حيث المساحات المطلوبة والتعليم داخل الحرم الجامعي يمكن أن يسهم في دعم الابتكار الأكاديمي. الاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا في التعليم يُمكن الجامعات من تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، مع ضمان جودة التعليم ومواكبته للمعايير العالمية.
عنصر آخر لا يمكن تجاهله هو استقطاب المواهب الشابة الأردنية التي تتمتع بقدرات ابتكارية عالية. الشباب الأردني أثبت جدارته في مختلف المجالات التكنولوجية على الصعيدين المحلي والدولي، لكن تحقيق أقصى استفادة من هذه الطاقات يتطلب برامج مستدامة لتطوير المهارات الرقمية، وإطلاق حاضنات ومسرعات أعمال حقيقية في مختلف القطاعات والمحافظات، تدعم مشاريعهم الريادية. المجلس بحاجة إلى تصميم سياسات تشجع على إبقاء هذه الكفاءات داخل البلاد وتوفير بيئة عمل تنافسية لهم، بما يشمل منحهم فرصاً حقيقية للتأثير وصنع القرار.
كما أن استقطاب الاستثمارات الجديدة يجب أن يكون هدفاً محورياً للمجلس، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة جذب فعّالة لرؤوس الأموال الأجنبية. خلق بيئة استثمارية مشجعة يتطلب تسهيل الإجراءات البيروقراطية، تقديم حوافز ضريبية للشركات الناشئة والمستثمرين، وتوفير بنية تحتية متطورة مثل شبكات الجيل الخامس والمراكز التكنولوجية. الاستثمار في التكنولوجيا لا يعزز فقط النمو الاقتصادي، بل يفتح آفاقاً جديدة للتوظيف والإبداع والابتكار.
إن تحويل التكنولوجيا إلى محرك رئيسي للنمو الاقتصادي ليس مجرد هدف بعيد المنال، بل هو مسار عملي وضروري لتحقيق التنمية المستدامة. المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل يمتلك الفرصة لتأسيس منظومة متكاملة تدفع بالأردن إلى مصاف الدول الرائدة في الاقتصاد الرقمي. ومع وجود التشريعات الملائمة، الإطار المؤسسي الفعّال، الاستفادة من الطاقات الشابة، تطوير السياسات التعليمية، وتخفيف القيود التقليدية على التوسع الجامعي، وجذب الاستثمارات، يمكن تحقيق نقلة نوعية تضع الأردن في موقع ريادي على خريطة التكنولوجيا العالمية. التحديات كبيرة، لكن الإرادة والطموح قادران على تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس يخدم الوطن والمواطن على حد سواء.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية