ما ينتظر سوريا أثقل مما نعتقد

{title}
أخبار الأردن -


 

قال الخبير الأمني والاستراتيجيّ الدكتور عمر الرداد إنه بعد مرور شهر على الإطاحة بالنظام السوري السابق، تبدو ملامح المشهد السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي في سوريا تسير مبدئيًا نحو اتجاهات إيجابية، مقارنةً بالفترة التي كان فيها بشار الأسد في السلطة.

وأوضح الرداد في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن هذا التحول يظهر بشكل جلي في قيمة الليرة السورية، التي حققت مستويات تحسن غير مسبوقة منذ سنوات، على خلاف ما تشهده الدول عادةً بعد سقوط أنظمتها، حيث تعاني العملات الوطنية في العادة من انهيار حاد واضطراب اقتصادي كبير، ليعكس هذا التطور بداية مرحلة انتقالية تحمل في طياتها إشارات أمل، لكنها ليست خالية من التحديات الجسيمة التي تحتاج إلى معالجة متأنية ومتوازنة.

وبيّن الرداد أن الأجواء العامة في سوريا - وعلى الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية – تبدو مشوبة بحالة عاطفية يغلب عليها الفرح بسقوط نظام الأسد، الأب والابن، الذي امتد لأكثر من نصف قرن من الزمن تحت مظلة الدكتاتورية والفساد، مضيفًا أن هذا الفرح تجسد بشكل واضح في التركيز الشعبي والإعلامي على كشف مظالم النظام السابق، مثل سجن صيدنايا، والمقابر الجماعية، والممارسات القمعية الأخرى، ومع ذلك، فإن هذا الفرح مرتبط أكثر بسقوط النظام السابق منه بقدوم الإدارة الجديدة، التي ما زالت تواجه واقعًا مليئًا بالتعقيدات.
ولفت الانتباه إلى أن الإدارة السورية الجديدة، بقيادة فاروق الشرع، تبنت خطابًا براغماتيًا يُظهر حرصًا على طمأنة جميع الأطراف السياسية والطائفية في البلاد، ذلك أن الشرع يعتمد على رؤية تدمج بين الواقعية السياسية وإمكانية احتواء التنوع السوري، حيث يسعى إلى إشراك جميع الطوائف في العملية السياسية الجديدة من خلال حوار وطني شامل ودستور يعبر عن آمال الشعب السوري، ومع ذلك، تم تأجيل المؤتمر التأسيسي الذي كان من المفترض أن يضع الأسس لهذا الدستور، في إشارة إلى تحديات داخلية وخارجية تقف أمام تسريع عملية الانتقال السياسي.

على المستوى الإقليمي والدولي، ذكر الرداد أن دمشق شهدت في الأسابيع الأخيرة حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا يعكس أهمية سوريا في المعادلات السياسية الإقليمية والدولية. وفود دولية من الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى انفتاح عربي غير مسبوق، بدأت زيارات استطلاعية إلى دمشق لاستكشاف المشهد الجديد، ومن بين أبرز هذه التحركات، اجتماع لجنة الاتصال العربية في الرياض، الذي عكس توجهًا عربيًا نحو الانخراط في دعم الاستقرار السوري، مع التأكيد على ضرورة إيجاد حلول سياسية تلبي طموحات الشعب السوري.

رغم ذلك، ما زالت الإدارة الجديدة تواجه أزمات معقدة، أبرزها تلك المرتبطة بالمكونات السياسية والطائفية في البلاد. من جهة، يرفض الدروز تسليم أسلحتهم قبل تحقيق مصالحة شاملة وإنجاز دستور جديد يضمن حقوقهم. ومن جهة أخرى، يطالب الأكراد بضمانات واضحة لمستقبلهم السياسي، وهو أمر يصطدم بالضغوط التركية الساعية لتنفيذ عمليات عسكرية ضدهم. كذلك، تظل قضية العلويين ومكانتهم في المرحلة الجديدة موضع تساؤل، وفقًا لما صرّح به الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

واستطرد قائلًا إن الأزمات الاقتصادية تمثل تحديًا لا يقل خطورة عن التحديات السياسية، ورغم تخفيف بعض العقوبات الدولية بخصوص المساعدات الإنسانية والإغاثية، إلا أن سوريا تحتاج إلى رفع شامل للعقوبات المفروضة على النظام السابق من أجل إطلاق عجلة التنمية الاقتصادية. الإدارة الجديدة، بدورها، تسعى جاهدة لإقناع الأطراف الدولية بضرورة رفع هذه العقوبات شرطًا أساسيًا لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. مع ذلك، تتبنى الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مقاربة تدريجية تركز على مبدأ "الخطوة مقابل الخطوة"، حيث يُربط رفع العقوبات بتحقيق الإدارة الجديدة تقدمًا في مجالات المصالحة الوطنية، وإنجاز الدستور، وضمان حقوق الأقليات، وإشراك جميع المكونات في الحكم.

إلى جانب التحديات الداخلية، تشكل قضية اللاجئين السوريين أزمة إقليمية لها أبعاد سياسية، واقتصادية، وإنسانية. الدول المضيفة، وعلى رأسها تركيا، ولبنان، والأردن، تتطلع إلى رؤية سوريا مستقرة وآمنة تتيح للاجئين العودة الطوعية إلى بلادهم. غير أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تجاوز العراقيل الاقتصادية والسياسية، وتوفير ضمانات أمنية للعودة، وهو ما يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.
ونوّه الرداد إلى أن التحدي الأكبر للإدارة الجديدة يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين المصالح الإقليمية والدولية، وضمان وحدة الأراضي السورية. الموقف التركي من الأكراد، والضغط الإسرائيلي المستمر على المناطق الحدودية مثل القنيطرة وريف درعا، يمثلان عقبات إضافية أمام الاستقرار. إلى جانب ذلك، يبقى توحيد السلاح تحت سلطة الدولة قضية شائكة، خاصةً مع رفض بعض الفصائل، مثل الفصائل الدرزية، التخلي عن أسلحتها قبل تحقيق شروطها السياسية.

في هذا السياق المعقد، تبدو الإدارة الجديدة أمام فرصة فريدة لتحويل التحديات إلى نقاط قوة. العمل على المصالحة الشاملة، ورفع العقوبات الاقتصادية، وضمان تمثيل جميع الطوائف في النظام السياسي الجديد، يمكن أن يشكل الأساس لانطلاق سوريا نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب قيادة حكيمة وقرارات جريئة قادرة على تجاوز الإرث الثقيل للنظام السابق، وبناء دولة حديثة تُلبي تطلعات جميع السوريين.

وأشار الرداد إلى أن المشهد السوري اليوم مليء بالتحديات، لكنه يحمل أيضًا إمكانيات هائلة لإحداث تغيير جذري نحو الأفضل. الإدارة الجديدة أمام اختبار حقيقي لقياس قدرتها على مواجهة هذه التحديات وتوظيف الفرص لبناء دولة سورية حديثة، تنعم بالأمن والاستقرار، وتحقق تطلعات شعبها الذي طالما عانى من الاستبداد والفساد.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير