الأردن وسوريا... أعباء الجغرافيا وإرث التهريب
تشهد سوريا تحولات دراماتيكية في بنيتها السياسية والأمنية، حيث باتت قوات المعارضة تسيطر تدريجيًا على أجزاء واسعة من العاصمة والمدن السورية الأخرى، في ظل انحسار فعالية الجيش النظامي الذي كان يفترض أن يتولى حماية الحدود والسيطرة على الأوضاع، وفقًا لما صرّح به الخبير العسكري، العميد الركن المتقاعد أيمن الروسان لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية
وأوضح أن الثورة السورية التي انطلقت بمطالب إصلاحية سرعان ما تحولت إلى ثورة مسلحة، تكشف عن طابعها المعقد نتيجة التنوع العرقي والإثني، فضلًا عن تعدد فصائلها المسلحة، وهذا الواقع يجعل من الصعب التنبؤ بمآلات الصراع في ظل وجود مناطق حدودية مفتوحة تحولت إلى نقاط ضعف رئيسية، يستغلها المهربون لنقل الأسلحة والمخدرات وحتى المتفجرات، الأمر الذي أدى إلى تفاقم هذه المشكلة مع إطلاق سراح آلاف المعتقلين من السجون السورية، بينهم معتقلون سياسيون وأصحاب سوابق جنائية، ما زاد من تعقيد المشهد الأمني.
وبيّن الروسان أن الأوضاع المتدهورة داخل سوريا تفرض على دول الجوار، ولا سيما الأردن، أعباءً استثنائية، إذ يتعين على الأردن، الذي يتشارك مع سوريا حدودًا تمتد لنحو 375 كيلومترًا، مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية الناجمة عن أزمة اللجوء، وعمليات التهريب المتصاعدة، بما فيها تهريب المخدرات التي تُنفذ باستخدام أساليب متطورة تشمل الطائرات المسيّرة.
وعلى الرغم من الصعوبة البالغة في التكهن بمسار الأوضاع داخل سوريا، فإن تراجع نفوذ الميليشيات الإيرانية، التي كان لها دور محوري في دعم النظام السوري، قد يسهم في تخفيف حدة بعض التحديات الأمنية، لا سيما تلك المرتبطة بالتهريب المنظم.
وذكر الروسان أن جلالة الملك عبد الله الثاني أكد في تصريحاته موقف الأردن المبدئي تجاه الأزمة السورية، حيث قال: "إن الأردن يقف إلى جانب الأشقاء السوريين ويحترم إرادتهم وخياراتهم"، ليعكس هذا التصريح عمق الروابط التاريخية، والجغرافية، والديموغرافية التي تجمع بين البلدين، ويدلل على التزام الأردن بدعم استقرار سوريا رغم التحديات الكبيرة.
ولفت الانتباه إلى أن الأردن، الذي عانى طويلًا من سياسات النظام السوري السابق، خاصة فيما يتعلق بضعف التعاون في ضبط الحدود ومنع التهريب، نجح في التعامل بمرونة مع المعارضة السورية منذ اندلاع الثورة، ولعل الإشارات الإيجابية الأخيرة من المعارضة السورية بشأن التعاون الأمني المشترك مع الأردن، تُعد تطورًا مبشرًا قد يمهد لتنسيق أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة.
ونوّه الروسان إلى أن النظام السوري لجأ في سنواته الأخيرة إلى تجارة المخدرات، خاصة حبوب الكبتاغون، كمصدر أساسي لتمويل عملياته العسكرية وضمان استمراره، إلا أن هذا الخيار أدى إلى نتائج كارثية، إذ تحول الجيش السوري إلى مجموعة من العصابات التي تدير تجارة المخدرات وتسيطر على مناطق استراتيجية تتيح لها تسهيل هذه الأنشطة، هذه الاستراتيجية لم تقتصر على الإضرار بسمعة النظام، بل أسهمت في تسريع انهياره نتيجة تفكك المؤسسات العسكرية والأمنية.
وأشار إلى أن الوضع الراهن في سوريا يضع الدول الإقليمية أمام استحقاقات ملحة للتعامل مع واقع جديد مليء بالتحديات الأمنية والإنسانية، مع ما يتطبه يتطلب ذلك من تعزيز التعاون الإقليمي، وتبني استراتيجيات مرنة لمواجهة التهديدات العابرة للحدود، وفي مقدمتها تجارة المخدرات والتهريب بأنواعه، كما أن إعادة الاستقرار إلى سوريا لن يتحقق إلا من خلال توافق سياسي شامل يضع حدًا للصراعات الداخلية ويفتح آفاقًا جديدة لمستقبل أفضل للمنطقة بأسرها.