البستنجي لـ"أخبار الأردن": حرب باردة جديدة
قال الكاتب والمختص في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي، إن في عالم السياسة، ليس هناك ما يسمى بضربات "ردّ الاعتبار" أو "حفظ ماء الوجه".
وأوضح البستنجي في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن أي عمل عسكري ينطلق من رؤية مدروسة وله أبعاد استراتيجية محددة، بل وتستبطنه رسائل واضحة، مضيفًا أن كل ضربة عسكرية تحمل ثمنًا محسوبًا ورسالة مشفّرة، تُرسل ضمن سياق الصراع لتُحافظ على توازن دقيق بين القوى المتنازعة.
وفي سياق الضربة الإسرائيلية ضد إيران، بيّن البستنجي أن هذا التوازن يبرز بوضوح بين القوتين، فكل منهما قادر على إلحاق أذى كبير بالآخر، لكن كليهما يدرك أن الاستهداف المتبادل لا يتم بهدف التدمير المطلق، بل كنوع من التواصل عبر التهديد والترهيب.
في الضربة الإيرانية الأخيرة، أكد أن الرسالة جاءت عبر صواريخ فرط صوتية، أصابت أهدافها بدقة وإن كانت بحمولة محدودة من المتفجرات، لترسل ذلك إيران رسالة مفادها بأنها قادرة على الوصول إلى أهدافها متى شاءت، أما الضربة الإسرائيلية الحالية، فقد حملت رسائل متعددة، وحرصت إسرائيل على أن تصل عبر وسطاء إلى الجانب الإيراني قبل تنفيذها، ثم قامت بتدمير أحدث منظومة دفاع جوي إيرانية، لترسل إشارات واضحة إلى طهران بعدم كفاية دفاعاتها الجوية لصدّ القدرات الإسرائيلية المتقدمة.
وبيّن البستنجي أن إسرائيل لم تكتفِ بذلك؛ بل استهدفت في الضربة الواحدة أكثر من مدينة وموقع داخل إيران، دون اختراق الأجواء الإيرانية، ما يبيّن قدرتها الجوية على إلحاق ضرر بالغ دون تعرّض مباشر لأية مقاومة إيرانية.
وأردف قائلًا إن هذه الضربات المحدودة تعد "رسائل بالنيران" يُدرك كلا الطرفين معناها ومغزاها بدقة، وأن الولايات المتحدة هنا تلعب دورًا مركزيًا في تهذيب الردود وتحكيمها، فهي وإن لم تكن طرفًا مباشرًا في الضربة، إلا أن وجودها في غرفة العمليات أمر محسوم، وتراقب أدق التفاصيل وتوجّه هذا الحوار الناري بين الطرفين، حتى لا تنفلت الأمور في ظل أجواء سياسية مشحونة، مثل موسم الانتخابات الأمريكية.
وأشار البستنجي إلى أن واشنطن ترى في احتواء إيران وترويضها على المدى البعيد ما يصب في مصلحتها أكثر من محاولة إخضاعها الكامل، ومن هذا المنطلق تفتح قنوات الاتصال مع القيادات الإيرانية، آملةً في صياغة توافقات تضمن مصالحها وتعزز استراتيجياتها المستقبلية في المنطقة.
ونوّه إلى أن هذه التوترات تعيدنا إلى أجواء الحرب الباردة حين توصّل كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك إلى قناعة بأن امتلاك كل منهما لقدرات تدمير شامل يستدعي الابتعاد عن المواجهات المباشرة، فجاءت الحلول عبر "الخط الساخن" لتجنّب أي سوء فهم، واعتمد كلا الطرفين على حروب بالوكالة في مناطق الصراع دون تصعيد مباشر.
واليوم، تردك إسرائيل وإيران أن التصعيد المفتوح قد يجر المنطقة إلى هاوية لا تحمد عقباها، وأن مخاطر هذه المواجهات لن تسلم منها القوى الإقليمية والدولية المحيطة، ومع غياب أي تقدّم تكنولوجي نوعي قد يُغيّر موازين القوى، ستبقى المواجهة محكومة بضوابطها، وسيتم تأجيل أي صراع مباشر إلى إشعار آخر، في حين ستحافظ كل دولة على استمرار المواجهة عبر أذرعها العسكرية والاستخباراتية، حتى وإن كان ذلك على حساب شعوب المنطقة ومصائرهم، وفقًا للبستنجي.
ولفت البستنجي إلى أن إسرائيل تدرك أهمية دبلوماسية الولايات المتحدة في تحقيق ما عجزت هي عن تحقيقه من خلال الضربات النارية، فالقوة الدبلوماسية المدعومة بوسائل الترغيب والضغط تظل وسيلة أكثر استدامة.