لكي لا ندفع ضريبة الجغرافيا وربما التاريخ ‏

 

  حسين الرواشدة

‏ما يدور من نقاشات محدودة ، في الغرف المغلقة ،  حول "الأمن الوطني الأردني " ، يجب أن يخرج إلى الفضاء العام ؛ مهمة "الجماعة الوطنية"( لا أقول الطبقة السياسية ) أن تضع هذا الملف على الطاولة ، و تصارح الأردنيين بما يواجهه بلدهم من تحديدات وأخطار ، وما يُفترض أن نضعه على أجنداتنا من حلول وأولويات .

‏قضية الأمن الوطني لا تتعلق بالدفاع عن الحدود فقط ، وإنما عن الوجود أيضا ، أقصد وجود الدولة وهويتها ومصالحها وأدوارها وعلاقاتها ،  العافية الداخلية والاشتباك مع الخارج ، مصادر التهديد وأوراق القوة ، حركة السياسة والمصالح، وحصار الجغرافيا ،وربما التاريخ أيضا .

‏نحن مقبلون على أربعة أشهر صعبة ، ربما تحدد مصير المنطقة ، لا نعرف كيف سندخل إلى عام 2025 ، وفيما إذا توقفت الحرب او توسعت ، الملف الذي يجب أن يحظى باهتمامنا هو حماية الدولة الأردنية وأمنها واستقرارها ، هنا، لا يكفي أن نرفع شعار "دعم المقاومة في غزة "كما يفعل الكثيرون ممن لا يرون الأردن إلا من هذه الزاوية ، أمن الأردن الوطني يحتاج إلى تعريف آخر يتجاوز ما ألفناه في الماضي ، جزء  منه أمننا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، صحيح لنا مصلحة وطنية حيوية مع اشقائنا ، خاصة في دعم صمودهم على ارضهم في فلسطين،  لكن مصادر التهديد التي تواجهنا لا تقتصر على مشروع الاحتلال الصهيوني، على مركزية خطورته، إيران تشكل مصدر تهديد ، غياب العمق العربي مصدر ضعف وقلق ، علاقاتنا مع الحلفاء في واشنطن والغرب ، خاصة مع احتمالية قدوم ترامب وتمدد اليمين في أوروبا ، تحتاج إلى تفكير عميق ، الميليشيات التي تحولت إلى دولة داخل الدولة، تتقافز  من حولنا وتهددنا أيضا.

‏صحيح ، ملفات الإقليم والخارج ،،وما تحمله من فرص محدودة وتهديدات مفتوحة ، مهمة في إطار النقاش حول أمننا الوطني ، لكن الأهم من ذلك ، بتقديري، أسئلة الداخل الأردني : سؤال الهوية وصلابة الجبهة الداخلية وهواجس الوطن البديل ، سؤال اللاجئين الذين تحولوا إلى عبء كبير في ظل تخلي المجتمع الدولي عن دعمهم ، سؤال الاقتصاد والطاقة والغذاء والفقر والبطالة،  سؤال التطرف القادم ،ربما ، على مركب تصاعد الإحساس بالظلم والقهر ، كل هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى فهم عميق ، وحركة مدروسة ومراجعات شاملة ؛ لا يمكن أن نتفرغ لمواجهة أزمات الخارج الا إذا نجحنا في تصفير أزماتنا ، وإعادة العافية لمجتمعنا.

‏مهم أن نعرف كيف تفكر إدارات الدولة ، ومهم ،أيضا،  أن نعرف كيف يفكر الأردنيون ، ومهم ،ثالثا،  أن نعرف كيف يفكر الآخرون -إقليميا ودوليا - اتجاه بلدنا ودورنا ، النقطة الأخيرة ( ماذا يُراد لنا؟) تحتاج إلى نقاش واضح وعميق ، أكيد لدينا ما يلزم من مجسات لالتقاط الإشارات وفحص المعطيات وتحديد التعاطي مع الملفات ، لكن هذا لا يمنع أن يكون ثمة أشياء مسكوت عنها،  وأخرى ملتبسة أو مغلفة بالأقنعة، هذه تحتاج إلى مزيد من الوعي والحذر والانتباه.

‏لنتذكر ، هنا ، أننا نقع وسط حفرة الانهدام السياسي ، وأنه يمكن أن ندفع ضريبة الجغرافيا ، وربما التاريخ ، وأن بلدنا محاصر بمشاريع تتصارع وتتصالح،  تبحث عن الهيمنة والتوسع والنفوذ ، لا أصدقاء دائمين ، ولا حلفاء يمكن أن نطمئن إليهم تماما .

‏نخدع  أنفسنا إذا قلنا أننا بمنأى عن الزلازل التي ضربت المنطقة ، ومازالت ارتداداتها تنفجر في وجوهنا ، نظلم بلدنا إذا لم نفتح عيوننا على أطماع الآخرين  وأحقادهم تجاهنا ، نخطىء كثيرا إذا لم نتوافق على ترسيم محددات لأمننا  الوطني،  وأولويات لمواجهة التهديدات والأخطار التي تحاصرنا ؛ الأردنيون ، في هذه المرحلة، أمام امتحان الحفاظ على دولتهم،  والدفاع عن وطنهم ،  لا مجال  أمامهم للانسحاب أو الاعتذار ، ولا تسامح مع الآخرين الذين يبحثون عن مصالحهم وخلاصهم الفردي ، حتى لو انقلب المركب على ما فيه ، لا سمح الله.