هل استفاد الأردن من ضربة أكتوبر؟

ماهر أبو طير

لدينا أكثر من تيار سياسي في الأردن على مستوى النخب. هناك تيارات سياسية تعملق الأردن وتظنه دولة عظمى عليها ان تحارب واشنطن واسرائيل وتحرك الشعب بكل اسلحته الى الحدود مع فلسطين المحتلة، وهناك تيار يتغطى بالعقلانية ويقول ان علينا ان نعرف حجمنا حقا في هذه الدنيا، وألا نبالغ في معاداة اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية ومن معهما من دول.


هذا امر ملموس بشكل خافت وغير علني بين من يمكن تسميتهم بأعضاء نادي الصف الاول في مراكز التأثير السياسي، والاعلامي، والاقتصادي، والاجتماعي، والبرلماني، والحزبي.

وهو ملموس ايضا على المستوى الشعبي، لكن عبر معادلة مختلفة، حيث تقف الاغلبية الشعبية ضد اسرائيل بشكل واضح، والاصوات القليلة على المستوى الشعبي التي تعاند التصعيد هذه الايام ضد اسرائيل ربما تتأثر ضمنيا بمغذيات ومحركات من بعض الاسماء المؤثرة.
مناسبة هذا الكلام، هي اشارات كثيرة تتنزل هنا وهناك تحاول ان تقرأ الموقف الأردني وتعبيراته المختلفة بطريقة معينة، لأن البعض لا يصدق حدة موقف الأردن ويعتقد أن لغة الموقف الأردني ضد اسرائيل قد تكون وظيفية تكتيكية من اجل عبور المرحلة واستيعاب غضب الشارع الأردني، كما ان البعض يتفهم حدة الغضب على المستوى الرسمي والمفردات التي يتم استعمالها لاول مرة، على ألسن الرسميين، وهؤلاء يريدون حاليا ولاعتبارات استراتيجية تخفيف الحدة ضد اسرائيل لاعتبارات مختلفة، واللافت للانتباه هنا ان حالة التشكيك تبلغ ذروتها عند البعض بالكلام عن مدى صدقية الأردن في الوقوف اصلا ضد اسرائيل برغم العلاقات، والاتفاقيات، والتنسيق، ومدى قدرة الأردن الرسمي على الدخول في مواجهة اصلا.
وسط هذه الاتهامات لا بد ان يقال اولا، ان الأردن يتعامل مع حرب غزة، باعتبارها حربا على حدوده وليست مجرد حرب على شواطئ البحر الابيض المتوسط، ويقرأ الاخطار الاستراتيجية لهذه الحرب بطريقة حساسة جدا، تصل الى حد تحليل استقراره الداخلي، وهذا يعني ان الموقف لصالح فلسطين، ليس دعائيا، بل من المؤكد هنا انه الموقف الاعلى عربيا واسلاميا، والمقارنات مفتوحة لمن يريد بين الأردن وبقية الدول، ومن جهة ثانية لا بد ان نعترف هنا ان علينا ان نتخذ مسربا ثالثا، فلا نعملق الأردن بشكل مبالغ به، ولا نصغر اكتافه ايضا، وان نقرأ الاخطار بطريقة تعيد ترتيب اوراق الأردن الداخلية، وتتخلص من تشبيكات العلاقة مع اسرائيل بعد ان ثبت للمرة الألف ان هذه العلاقة خطر على امن الأردن، واستقراره وحياة شعبه.
من الخطوات الواجب اتخاذها ما يتعلق بملف المياه والكهرباء، ايا كانت الكلف الاقتصادية لذلك، لان رهن اعناقنا بيد اسرائيل يبدو كارثة هنا، اضافة الى اهمية اعادة التموضع على المستوى الشعبي من حيث اعادة خدمة العلم، والجيش الشعبي، وتسليح الأردنيين، ووضع احتمالات قوية لسيناريو الاعتداء على الأردن في اي توقيت، وعدم الاسترخاء والركون الى اي تحالفات، كما يتوجب قراءة كل اتفاقية وادي عربة، ولماذا تبقى هنا اصلا، وما يرتبط بكل برنامج المساعدات الاميركية والبدائل المتاحة ماليا، بعد ان تم تقييد الأردن اقتصاديا لصالح تل ابيب وواشنطن، بطريقة تجعله مثقلا اليوم، يسير وسط حقل الغام.
قد يبدو الكلام السابق مبالغة غير مدروسة، والأردن غير قادر عليها، لكن من ناحية استراتيجية يجب ان يخرج الأردن من حالة التقييد التي يعيشها، حتى وان كانت كلفة ذلك اقتصاديا صعبة وخطيرة، فالداخل الأردني المتماسك هنا هو الذي يحمي الدولة، وليست الاطراف الحاضنة والراعية خارج الحدود والتي سبق ان تخلت عن حلفاء غيرنا.
الخطر على الأردن مرحليا واستراتيجيا، خطر كبير، لان الأردن يعد جزءاً من المشروع الصهيوني، وهنا يرى محللون ان الأردن استفاد ضمنيا من ضربة السابع من تشرين الأول- اكتوبر ضد اسرائيل، لأنها زلزلت طاقم اليمين الذي يستهدف الأردن، وسوف تزلزله اكثر اذا استمرت او توقفت الحرب، لكن الارتداد الاسرائيلي الاستراتيجي على الأردن يجب ان يبقى قيد التقييم في عمان، دون ركون الى النتائج الاولية لكل هذا المشهد، ودون استرخاء امام غرق نتنياهو وفريقه في طين غزة ، كما ان اليمين الاسرائيلي الذي يدرك استفادة الأردن غير المباشرة، وبسبب مشروعه التاريخي، يتمنى لو استطاع ان يكون الأردن ساحته المقبلة.