الرواشدة يكتب: ‏استراحة للتفكير داخل "البيت الأردني"

 

‏حسين الرواشدة

‏دعونا نأخذ إجازة أو استراحة من الانشغال بمخاطر الإقليم وتحدياته التي لا تنتهي ،ثم نفكر في واقعنا الداخلي وقضايانا المحلية ، نفتح النقاش العام حول أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية ، و.."حالة البلاد"، لا يجوز ، أبداً، أن تمرّ علينا قصص القرى والأطراف التي تعاني من قلة الخدمات ، ولا مشهد" بربيطة" التي لا يجد سكانها الماء النظيف ولا الدواء ، ولا معدلات البطالة التي تجاوزت الخطوط الحمراء، لا يجوز أن نصمّ آذاننا عن المعونة الوطنية التي تتصاعد أرقام المتلقين لها ، أو نغمض أعيننا على آفة المخدرات التي أغرقت شبابنا بالبؤس.

‏يمكن أن أدرج ،هنا ، عشرات القضايا والملفات المعلقة التي يتحدث عنها الأردنيون ، وتشكل جزءاً من معاناتهم اليومية ، صحيح بلدنا بخير ، يحظى بالاستقرار ، ولديه إنجازات رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة ، صحيح ، أيضاً، الأردنيون صبروا وتحملوا ولم يتنازلوا عن إيمانهم بدولتهم، واعتزاز هم بوطنهم ، لكن من حقهم على إدارات الدولة ومؤسساتها أن ترد عليهم التحية بمثلها، إن لم يكن باحسن منها، من حقهم أن يروا حياة فضلى وإنجازات كبرى على الأرض ، لا مجرد وعود في الهواء.

‏لا يخطر في بالي، أبداً، أي دعوة للانكفاء، أو عدم الاهتمام بما يفرضه علينا الخارج ،دولياً وإقليمياً، من تحديات ومخاطر ، الاشتباك مع هذه الملفات ضرورة وطنية لحماية مصالحنا العليا ، والحفاظ على استقرارنا ، ما أقصده هو أن الداخل الأردني أولوية ، يجب أن تحظى باهتمام الدولة بكافة مؤسساتها ، وخاصة في مثل هذا التوقيت الملغوم بالأزمات ، أن نفكر أردنياً ، ونتصرف أردنياً، ونرتب بيتنا الداخلي ، و نكاشف الأردنيين ،وننقلهم من منصة الفرجة والشكوى إلى الهمة والشراكة والمسؤولية ، هو العنوان الأول لاستعادة العافية الوطنية، وتعزيز المنعة والمناعة التي يحتاجها بلدنا اليوم.

‏لا بأس أن نؤجل خلافاتنا السياسية، أو نُجدولها بشكل توافقي ، وأن نتفرغ، جميعاً، لمهمة واحدة ، وهي الحفاظ على الدولة الأردنية وضمان استقرارها واستمرارها، وتحصينها من أي عبث ، لكن في موازاة ذلك ، ولكي نطمئن على قوة الدولة ، لابد أن نعيد النظر في جردة حسابات الوضع القائم للأردنيين، أقصد مرتكزات الحياة الكريمة التي تضمن قدرتهم على الاستقرار والثبات والاستمرار ، وتشحن عزيمتهم وتحمي كرامتهم ، الدولة القوية تحتاج إلى اردنيين أقوياء وأصحاء ومكتفين ، تحتاج إلى مؤسسات فاعلة تشكل مرجعيات موثوق بها ، تحتاج إلى تفعيل موازين العدالة لتشمل الجميع ، تحتاج إلى مسؤولين لا ترتجف ايديهم ، ووسائط سياسية واجتماعية تتقاسم المغارم ، ولا تتزاحم على المغانم.

‏أقدّر ما تقوم به الحكومة ،وخاصة رئيسها الذي يؤمن ،تماماً، بضرورة الاستدارة للداخل الأردني ، ويتحرك ، بكل ما لديه من امكانيات ، لإطلاق عجلة الاقتصاد ، وتخفيف الأعباء على المواطنين، وتسهيل الخدمات لهم ، هذه الجهود لا يجوز إنكارها، لكن ما أقصده يتجاوز ذلك نحو إطلاق مشروع وطني متكامل ، يساهم فيه الجميع ، إدارات الدولة والمجتمع ، عنوانه الأردن ، يشمل كافة المجالات والقطاعات ، ويجيب على الاسئلة المعلقة، ويحسم القضايا والتحديات، ويفتح الباب أمام انتقال كبير من "واقع قائم "نعرفه ونشكو منه، إلى "واقع قادم " يطمح إليه الأردنيون ، هذا ممكن ، إذا صدقت النوايا وصحت العزائم.