الرواشدة يكتب: الأردن في مواجهة "التكيّف " مع استحقاقات قادمة
حسين الرواشدة
يتدحرج ملف استحقاقات ما بعد خطة ترامب في غزة بشكل متسارع ، كل دولة معنية بالخطة تحاول أن تبحث عن مساحات تتحرك فيها ، سواء في سياق خياراتها ومصالحها ، أو تحفظاتها واضطراراتها ، الدولة الأردنية نأت بنفسها عن المشاركة في حفلة التوقيع ، لكنها لن تكون بعيدة عن الترتيبات القادمة ، رَفَضَ الأردن ،وفق معلومات ، المشاركة بإرسال قوات أمنية إلى داخل غزة ، اكتفى ، فقط، بتدريب بعض العناصر الأمنية الفلسطينية بالمشاركة مع مصر ، وسيواصل جهوده على صعيد الإغاثة ، ويتطلع للمشاركة في اعادة الإعمار ، الأهم من ذلك ، أجندة ما بعد غزة أصبحت ،أردنياً، على الطاولة تحت عنوان "التكيّف " السياسي مع الاستحقاقات القادمة.
في سياق التكيف والاستعداد ، لدى الأردن إجابات واضحة عن مختلف التهديدات المتوقعة، والأسئلة الكبرى المعلقة، خاصة فيما يتعلق بمستجدات ( الضفة الغربية) ، وما تقوم به دولة الاحتلال من محاولات لتصفية القضية الفلسطينية على حسابه، صحيح لا يمكن طرح ما يدور داخل الغرف المغلقة للنقاش العام نظراً لحساسية الظرف ، وتقديراً لتداعيات الكشف على الصالح العام ، لكن الصحيح ، كما تشير معلومات ،كل السيناريوهات التي تتعلق بالحفاظ على سيادة الدولة الأردنية وأمنها واستقرارها ومصالحها تم بحثها ، واتخذ ما يلزمها من تدابير واحترازات وقرارات، الإفصاح عن أي قرار او اجراء سيخضع لتقديرات الوقت المناسب ، وربما نشهد خلال الأيام القادمة حركة في هذا الاتجاه.
لكي نفهم أكثر ، خرج الأردن من حرب العامين على غزة ، وما خلفته من تحولات في المشهد الداخلي والإقليمي والدولي ،بجردة أرباح وخسارات ، لابد من مراجعات عميقة لما حدث ، واستشراف دقيق لما سيحدث ، لا يمكن للأردن أن يتنازل عن دوره في جغرافيا يشكل فيها "عقدة المنشار" للأمن والاستقرار ، كما لا يمكن له أن يظل متفرجاً على الأحداث أو منتظراً لنتائجها ، الاشتباك السياسي المدروس، إذاً، ضروري ، لكنه محدد في إطار( الأردن أولاً) ، وبالتالي يحتاج إلى بناء معادلات قوة ذاتية ، أساسها الاقتصاد والاعتماد على الذات ، وجناحاها استدارتان للداخل والخارج ، أما ضمان سيرورتها فيتطلب ترميم التحالفات ، والتكيف مع الاستحقاقات ، وتغيير بعض المسارات والأدوات.
خلال الأسبوع القادم ، تبدأ دورة البرلمان برئاسة جديدة ، رسالة التغيير جاءت في سياق ما أشرت إليه ، سلفاً، من حسابات التكيف مع استحقاقات المرحلة القادمة ، ربما نشهد أكثر من تغيير في إدارات أخرى ، ربما نُفاجأ بفتح ملفات مؤجلة بحاجة إلى محاسبات، ترتيب العلاقة مع واشنطن ،ومع بعض الدول في الإقليم تحتاج ،في تقديري ، إلى اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة، لن يترك الأردن أي ملف يشكل ذريعة لاستهدافه او تهميشه بلا حسم ، الرسائل التي وصلت لعمان من أكثر من طرف تصب في اتجاه واحد : عملية إعادة تدوير الزوايا السياسية لحماية الأردن وترسيخ دوره وتأمين مصالحه تحتاج إلى معالجة ملفات عالقة تعيد بناء الثقة في العلاقات ، وتؤسس لمرحلة التكيف مع استحقاقات قادمة.
لا أريد أن أخوض في التفاصيل ، أشير - فقط- إلى مسألتين ، الأولى : أمام الأردن فرصة لانتزاع أدوار مهمة في المنطقة ، وتسوية قضايا متراكمة لها امتدادات داخلية وخارجية ، وضمان "طوق نجاة"للخروج بأقل الخسائر ، الثانية : انتزاع هذه الفرص يعتمد على تقدير حساباتنا بدقة، وقدرتنا على التكيف السياسي مع استحقاقات أصبحت ضاغطة، كما يعتمد على وجود أدوات سياسية كفؤة وموثوق بها ، وجبهة داخلية متماسكة، وإرادة حقيقية تضع الأردن ومصالحه العليا فوق كل اعتبار.