الرواشدة يكتب: ‏مَنْ يتحدّث مع الأردنيين ويُكاشفهم؟

 

‏حسين الرواشدة

‏صحيح، ليس كل ما يُعرف يُقال، ولا كل ما يدور من نقاشات، أو يُتخذ من قرارات ، داخل الغرف المغلقة ، يستوجب النشر ، صحيح ، أيضاً ، لدى الأردنيين ثقة بالدولة وبما تفكر به من خيارات ، وبما تفعله إذا جدّ الجدّ وقت الأزمات ، لكن من حق الأردنيين أن يجدوا من يتحدث معهم بصراحة ومسؤولية ، ومن يضعهم في صورة ما يحدث حولهم ويستهدفهم ، ليس فقط من أجل أن يطمئنوا أو يستعدوا، وإنما من أجل بناء جبهة أردنية صلبة مسلحة بالوعي، وقادرة على مواجهة أي خطر ،وعصية على أي اختراق.

‏سؤال من يتحدث مع الأردنيين يفتح "دمامل" كثيرة، ويستدعي عمليات جراحية عميقة وعاجلة ، لا أريد أن أُقلّب المواجع في مثل هذا التوقيت الذي يمر فيه بلدنا بأصعب المراحل، أريد أن استنهض همّة كل مسؤول ، حالي أو سابق ، كل من يمثلون الوجاهة السياسية أو الاجتماعية ، لكي يتحركوا ويقولوا كلمتهم بكل أمانة ومسؤولية ؛ كان لدي أمل أن تنهض بهذه المهمة الوطنية أحزابنا التي انفقنا عليها الملايين ، وعبّدنا لها طريق الوصول الى البرلمان ، لكن -للأسف - خيّبت آمالنا ، كما سبق أن أطلقت نداءات لرجالات الدولة الذين ما زالوا صامتين لكى يقولوا كلمة خير ، او يسجلوا موقفاً تتذكره الأجيال القادمة بإعتزاز ، لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي.

‏ليس كل من يتحدث مع الأردنيين يمكن أن يقنعهم ، أو يحظى بثقتهم، أو يمثل ضميرهم العام، ليس كل ما نسمعه على الفضاء العام يعبر عن الدولة الأردنية، او يستند إلى معلومات أو قراءات صحيحة ، معظم النقاشات العامة التي نتابعها ونشهدها تدخل في باب التكهنات والمجاملات، او توزيع الشماتات ، تصوروا (!) بعض من خرج من داخل أروقة ادارات الدولة لا يتورع عن مقايضتها لكي يتطهر شعبياً، تصوروا(!) استنفار الأردنيين في كورونا كان أكبر من استنفارهم الآن ، وكأن ما يحدث حولنا على كل جبهاتنا وحدودنا لا يستدعي حالة استنفار سياسية وشعبية عامة.

‏أعرف ،تماماً، حرص الدولة على حالة الاستقرار والحفاظ على سيرورة الحياة العامة ، اعرف ، أيضاً، ثمة من يصطاد في المياه العكرة، وينصب الفزاعات لإرباكنا وتخويفنا من القادم، أو إغراقنا في لعبة تبادل الإتهامات وتراشق المسؤولية عن الأخطاء والتقصير، أعرف ، ثالثاً، أن معادلة الجهوزية والاستعداد من جهة ، والمكاشفة وتهيئة الأردنيين لأي مستجدات قادمة من جهة أخرى ، تحتاج إلى حكمة وعقلانية وتوازن، لكن كل هذا لا يبرر، أبداً، أن نصمت او نغلق لواقطنا ، وإنما يستدعي فتح قنوات الاتصال بين الدولة والمجتمع ، بين المسؤولين والإعلام ، بين من يملك المعلومة ومن يقع عليه واجب إيصالها للأردنيين، بعيداً عن المبالغات و إثارة العواطف ، وبما يخدم مصالح الدولة ويعبر عنها بدقة وإخلاص،

‏نحتاج ،اليوم ، لمن يتحدث مع الأردنيين ويكسر حالة الصمت والانتظار والتردد ، لمن يتحرر من ثنائية ( المغانم والمغارم) ويضع مصالح الدولة العليا أولوية فوق كل اعتبار ، لمن يجتهد في الرأي والنصيحة ولا يردد المقولات الجاهزة، او يُزيّن الوقائع ويُهوّن المخاطر ، نحتاج لرجالات يلتفون حول الدولة وينطقون باسمها ، ويكونون أوفياء لمبادئها ومصالحها ، نحتاج لمن يقول للأردنيين : نحن معكم وقبلكم من أجل الدفاع عن الأردن وحمايته، لا لمن يستعرض بطولاته، او يجهز حقائبه، او ينتظر مكافأة نهاية الخدمة ، نحتاج لمن يُذكّرنا ( فعلاً ) بالرجال الأوائل من قاماتنا الوطنية الذين صدقوا الله والوطن ، والعرش والشعب ، وما بدلوا تبديلا.