المجالي يكتب: مات الفتى

 

عبدالهادي راجي المجالي

مات الفتى .... لو أنهم سألوني، لطلبت بعضا من دمه، قليلا من دمه ... يطهر عار العرب .

مات الفتى ....

وأي فتى! لم يكمل ال (٣٠) ... وكانت (فلسطين) في عينه، في الوريد، في الشهيق وفي الزفير... في فنجان قهوته، في خطاه المتعبة وجوعه ...مات الفتى ...

فيا سيد (غزة) وأعلى شوامخها، لقد قمت بتعرية العواصم كلها، قمت بتعرية الوجوه، قمت بتعرية السلاح الصدأ، قمت بتعرية وجه أوروبا الكاذب، قمت بتعرية العالم كله ...

سيأتيك .. في عليين (أبو ذر الغفاري) لقد سرت في دربه وكان سيفك المايك، سيمسح خدك بيده الحانية، فقبل اليد يا فتى .

سيأتيك ...الحسين ملتحفا دمه، وسيخبرك أنها كانت كربلاء الثانية ... وأن العالم سيتشيع مرة أخرى لدمكم الخضيب، وسيعتنق المذهب ( الغزاوي ) ...

وحين تصعد إلى عليين قم بإلقاء نظرة للبحر الذي أحببت، للحي الذي ولدت فيه وكان الصبا من قلق، والشباب من تعب ... وأنت تصعد ياسيد العرب كلهم ... أرجوك قم برمي فردة من حذاءك ... إن الحذاء الذي كنت ترتديه لحظة الشهادة، أعلى من كل قرارات الأمة، فليصفع حذاءك وجه الأمة يافتى ...قم بإلقاء دمعة من عينك اليمنى، إن الدمعة من عينك يا سيدي .. فيها من الكرامة أعلى مما في مدن العرب، كيف اختصرت العروبة في دمعة يا أنس؟

لقد كنت صديقي، كل يوم كنت ترسل لي تقاريرك عبر التلفاز، يالوجهك الطفولي ما أجمله ... أهكذا تتركنا  فجأة؟ ... وكنت صديقي الذي أراه كل مساء وكل صباح .. ويبث في قلبي الصبر والهوى ..

أقسم يا أشرف العرب، أني أكتب لك ودمعي يغطي شاشة الهاتف، والحروف تتوه مني كأنها نصل سكين يلدغ حواف القلب، كيف استطعت في شهادتك العظيمة يا فتى أن تجعل من الدمع سكينا يقطع الحشا ؟  ..نحن الهزيمة يا أنس ... نحن العار ، لكنك ستسجل في سفر التاريخ .. بأنك شرف العرب .