الضمور يكتب: الكرامة… يوم انتصر الإيمان والسلاح، وكتب الأردن للأمة أول سطر في عودة المجد

الأستاذ الدكتور هاني الضمور

في فجر الثالث والعشرين من آذار عام 1968، لم يكن الأردن يقف على أطراف معركة عابرة، بل كان يواجه لحظة وجود، معركة فاصلة أرادت لها القوى الغاشمة أن تكون امتدادًا للهزيمة، فإذا بها تتحوّل إلى شرارة النصر.

في ذلك الصباح، وقف الجيش العربي الأردني وحده، لكنه كان يحمل في صدره إرادة أمة، وعقيدة جيش، وإيمان شعب لا يرضى الذل ولا يعرف الانكسار.

معركة الكرامة لم تكن مجرد اشتباك عسكري في الأغوار، بل كانت تحولًا في ميزان التاريخ، وردًا عمليًا على الهزيمة النفسية التي حاول الاحتلال تكريسها بعد نكسة حزيران.
ظن العدو أن العرب قد خمدوا، وأن لا مقاومة تُولد من تحت الرماد، فجاء متغطرسًا بمدرعاته وطائراته، يبحث عن نصرٍ سريع يعمّق اليأس في نفوس الأمة.

لكنه لم يعلم أن على ضفاف الأردن، كان هناك رجال توضأوا بالعقيدة، وتحركوا بعقيدة النصر أو الشهادة، لا يعرفون الخوف، ولا يعترفون بالهزيمة.

القرار الأردني لم يكن عسكريًا فحسب، بل كان قرارًا إيمانيًا قبل كل شيء.
قرار أن الكرامة لا تُفرّط، وأن الوطن لا يُساوَم، وأن من يُقبل على الموت بإيمان، يُكتب له النصر بعون الله.

وقف جنود الجيش العربي، عيونهم نحو السماء، وأقدامهم ثابتة في الأرض، وقلوبهم تقول ما قاله الله تعالى: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.”

خطة الدفاع الأردنية كانت محكمة.

لم تكن صدفة، بل ثمرة انضباط، وعقل عسكري واعٍ، وإيمان بالنصر.
تم استدراج العدو إلى عمق النيران، وكُسرت آلياته، وتهاوت دباباته تحت قصف مدفعي مركز، وصمود بطولي.

وفي لحظة خاطفة، تحوّلت المعركة إلى هزيمة مدوّية للعدو، وانتصار مهيب للأردن، كتب أوّل سطر في دفتر النصر العربي بعد زمنٍ من الانكسار.

لكن أعظم ما في الكرامة، أنها أثبتت أن الأمة ما زالت حية، وأن الجندي العربي، إذا آمن، قاتل، وإذا قاتل بإخلاص، انتصر.

الكرامة لم تكن دفاعًا عن الأرض فقط، بل دفاعًا عن كرامة العروبة، وكرامة الإسلام، وحق كل شعب في أن يحيا عزيزًا حرًا.

واليوم، تعود ذكرى الكرامة لتقول لنا:
لا زال في الأمة من ينهض، لا زال في القلوب نبض الشهداء، لا زال في تراب الأردن دمٌ يقول: “هنا وقفنا… وهنا انتصرنا… وهنا لن نُهزم أبدًا.”

المجد لجنود قاتلوا بعقيدة…
المجد لشهداء ارتقوا وفي صدورهم الوطن…
والمجد لأردن كتب بدمه أن النصر يبدأ من الإيمان، ويُصان بالقوة، ويُروى بالتاريخ.