حسن نصر الله في السياق الاجتماعي والسياسي
الدكتور علي حياصات
تأسس حزب الله بدعم من إيران في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين وبرز إلى واجهة الأحداث أثناء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982. إلا أن جذوره الفكرية تعود إلى ما يُعرف بـ "الصحوة الإسلامية الشيعية" في لبنان خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، والتي شهدت صعود مرجعيات دينية شيعية في جنوب لبنان، كمرجعية السيد موسى الصدر والسيد محمد حسين فضل الله. ولا يُخفي حزب الله في أدبياته التزامه بعقيدة ولاية الفقيه التي وضع أسسها آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
ولاية الفقيه هي نظرية سياسية إسلامية شيعية تُعنى بإدارة شؤون الدولة الإسلامية وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية. وتُعتبر هذه النظرية من أبرز أفكار آية الله الخميني، الذي أسسها كجزء من فكره السياسي والعقائدي. تقوم ولاية الفقيه على فكرة أن الفقيه، أو العالم الديني، يجب أن يتولى قيادة المجتمع الإسلامي ويمارس السلطة السياسية، كونه الأقدر على تفسير الشريعة وتطبيقها. وتمنح هذه النظرية الفقيه صلاحيات واسعة، بما في ذلك إدارة شؤون الدولة، وتوجيه السياسات، والرقابة على الحكومة. كما تشدد ولاية الفقيه على ضرورة التزام الدولة بالقيم الإسلامية، وتعتبر أن الفقيه يمثل نائب الإمام المعصوم، مما يجعل سلطته دينية وسياسية مطلقة في آن واحد.
في عام 1992، انتخب مجلس شورى حزب الله السيد حسن نصر الله أمينًا عامًا لحزب الله خلفًا لعباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل. وعلى الرغم من أنه لم يكن نائبًا للأمين العام، وكان أصغر أعضاء مجلس الشورى سنًا، إلا أن المجلس انتخبه في هذا المنصب بالإجماع.
أظهر السيد حسن نصر الله شخصية جدلية على الصعيدين السياسي والاجتماعي في لبنان والشرق الأوسط على مدى أكثر من ثلاثة عقود، حيث استحوذ على شعبية كبيرة في صفوف شيعة لبنان على وجه الخصوص، باعتباره رمزًا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما استثمر في تصوير نفسه ليس فقط كزعيم يحقق مصالح المجتمع الشيعي، بل أيضًا لمكونات المجتمع اللبناني الأخرى، مما عزز مكانته السياسية والاجتماعية في الداخل اللبناني.
استطاع حسن نصر الله، ومن خلال قدرته العالية على استخدام الإعلام بشكل فعّال، أن يجذب الجماهير وأن يثير حماسهم، مما زاد من الدعم الشعبي له على مستوى الجماهير العربية خارج لبنان وحتى خارج الطائفة الشيعية بشكل عام. ونتيجة لذلك، أصبح حزب الله تحت قيادته من أكبر الأحزاب العربية وأقواها سياسيًا وعسكريًا وماليًا وتأثيرًا على مستوى المنطقة، مما أسهم في تعزيز ولاء القاعدة الشعبية له بشكل غير مسبوق.
هذه القوة السياسية والعسكرية والمالية مكنت حسن نصر الله من لعب دور محوري في الصراعات الإقليمية، حيث كانت له اليد الطولى في صمود النظام السياسي السوري على مدى أكثر من 15 عامًا من عمر الثورة السورية. كما كان الذراع الطويلة لإيران في منطقة الشرق الأوسط، مما مكنها من تحسين نفوذها على المستوى الإقليمي والدولي، وكذلك تحسين موقفها التفاوضي بشأن برنامجها النووي والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل أمريكا والمجتمع الدولي.
وعلى الرغم من شعبيته لدى الكثير من أتباعه، واجه السيد حسن نصر الله انتقادات من خصومه السياسيين في الداخل اللبناني أولاً، ومن جمهور عريض على الساحة العربية ثانيًا، حيث كان يُنظر إليه كعائق أمام استقرار لبنان وتقدمه، بسبب تبعيته المطلقة للنظام الإيراني، ومساهمته في تنفيذ سياستها التوسعية في المنطقة العربية. وبالتالي، كان يأخذ عليه خصومه أن ولاءه الأول والمطلق كان لإيران وليس للبنان.
من ناحية أخرى، جلب تورطه في صراع طائفي خلال اشتعال الثورة السورية في عام 2011 الكثير من ردود الفعل السلبية في العالم العربي، حيث وجه سلاح حزبه إلى شعب أعزل كان يطالب نظامه السياسي بالحرية والعيش الكريم. كان انتصار حسن نصر الله للنظام السياسي السوري ضد شعبه بتحريض من إيران سقطة له ولحزبه. تحويل بوصلة الحزب السياسي والعسكري من عنوان مقاوم لإسرائيل إلى أداة لدعم نظام سياسي كان عليه خلاف شعبي في سوريا أدى إلى خسارة السيد حسن نصر الله وحزبه الكثير من مؤيديه في العالم العربي. وقد نسي السيد حسن نصر الله وقيادة حزبه أو تجاهلا حقيقة مؤكدة أن تدخلهما في سوريا جرى من دون ممانعة إسرائيلية.
في الختام، كان حسن نصر الله شخصية مثيرة للجدل في المشهدين اللبناني والعربي، حيث جسد التوتر بين المقاومة والتحديات الاقليمية السياسية التي تواجه النظام السياسي العربي. فرغم شعبيته الكبيرة وقدرته على استقطاب الجماهير، واجه نصر الله انتقادات حادة بسبب تبعيته لإيران ودوره في الصراعات الإقليمية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل حزب الله ودوره في لبنان والمنطقة بشكل عام بعد غيابه.