بنك الأسئلة الموعود!!: ماذا يقيس؟
الدكتور محمود المساد
هل يقيس ما يسهل قياسه من معلومات وحقائق؟
وهل سيكرر نمط الأسئلة الملتبسة كما عودتنا الوزارة؟
أم يخطط له أن يقيس ما ينبغي له أن يقيسه من أهداف التعلم؟
وقبل أن أتحدث عن سبب الإعلان عن تشكيل وحدة القياس والتقويم في المركز الوطني لتطوير المناهج الآن، أود الإشارة إلى أهمية هذه الوحدة نظريًا في ضبط صياغة جميع أشكال التقييم، بما في ذلك الأسئلة في محتوى الكتب المدرسية وأدلة المعلمين وغيرها من مصادر التعلم، وضمان التعامل مع أشكال التقييم جميعها لما وضعت له، والتحقق من إجاباتها وإجراءات الحل مع فتح باب التعدد في طرق وإجراءات الحل وتشعبه ما أمكن من أجل إطلاق قدرات الطلبة الإبداعية. علمًا بأن هذا كله حتى الآن يتم من خلال المؤلفين والمشرفين على عمليات التأليف، ودون مراعاة عرض مشاريع هذه الكتب وغيرها من مصادر التعلم قبل طباعتها على متخصصين في القياس والتقويم، وذلك من أجل التأكد من صدقها وثباتها ومراعاتها للفروق الفردية بين الطلبة.
لهذا الأمر وغيره تم تشكيل هذه الوحدة منذ أكثر من عام. لكن لماذا جاء الإعلان عنها في هذا الوقت المتأخر؟ فالجواب يرتبط أولًا بأن المطلوب من هذه الوحدة لم يتحقق منه شيء، وثانيًا لتغطية وامتصاص شكوى الميدان حول كثرة المغالطات في مجال التقييم التي كشف عنها المعلمون أثناء عمليات التدريس، وثالثًا لتخفيف حدة التذمر الواسع الذي ظهر في الامتحان العام التوجيهي حول الأسئلة من حيث الدقة ومستوى الصعوبة وإجراءات الحل، ورابعًا لأن المسؤولين عن هذه المؤسسات جدد بلا خبرات، وربما لم يجدوا ما يصرحون به.
وفجأة تجد هذه المؤسسات المعنية نفسها أمام وقت يتسارع، وفوج الطلبة الذين يخضعون للامتحان العام التوجيهي الجديد هذا العام الدراسي 2024/2025 في الصف الحادي عشر على الأبواب. وبحسب الإعلانات السابقة، ستكون الأسئلة مستمدة من بنك أسئلة يعملون عليه. وكون المركز الوطني لتطوير المناهج هو المعني قانونيًا بالاختبارات الوطنية، والاختبار العام التوجيهي، لم يجدوا من حل إلا الإعلان عن تشكيل وحدة القياس والتقويم التي سبق تشكيلها من جهة، والتعديل على الكتب المدرسية كي تتواءم مع التعديلات التي يتطلبها نظام التوجيهي الجديد من جهة أخرى، كمبررات لهذه الغفوة.
مما لا شك فيه أن وحدة القياس والتقويم هامة وأساسية في ضبط صياغة الأسئلة، وضمان تنوعها بحسب تنوع قدرات الطلبة، وتوزيعها بحسب مهارات التفكير المتدرجة وفق تصنيف بلوم المعتمد، وللتأكد من صدق الأسئلة وأنها تقيس ما وضعت لقياسه، وثباتها بالتجريب على عينات ممثلة، وتجريب آليات تقديم الاختبار إلكترونيًا على كامل مساحة الوطن. ومع هذا التأخر في الوقت، وخبرة الكوادر المتواضعة، إلا أن مضاعفة الجهود، واستثمار كامل الوقت، والاستعانة بكوادر الميدان المتخصصة في القياس والتقويم - وهي كثيرة - تساعد في تجاوز العقبات، وتقديم الامتحان العام للطلبة بشكل آمن ومقبول. وبغير ذلك سنبقى في دائرة التصريح الإعلامي وتسويف الوقت فقط.
إن مشاكل الاختبارات تكمن في كثرتها وتحول التعليم إلى تعلم قائم على الاختبارات. كما أن أكثر المشكلات أهمية في امتحان التوجيهي تكمن في عدم التفريق بين المناهج والكتب المدرسية، بحيث اعتقد الطلبة أن معناها أن لا أسئلة من خارج الكتاب المدرسي، مع أن المناهج أوسع بكثير؛ فهي تعني كل ما يخطط للطالب أن يتعلمه بشكل متراكم طيلة فترة تعلمه المدرسي. وحقيقة هذا الفهم تعمق لدى الطلبة من خلال تصريحات المسؤولين الضبابية في هذا المجال، الأمر الذي يتطلب من الوزارة والمركز التوضيح المباشر أن الأسئلة التي تتضمنها بنوك الأسئلة للثقافة العامة هذا العام، ولكافة المواد الدراسية العام القادم، هي مما يفترض بالطالب أن يتعلمه من معرفة ومهارات، سواء تضمنتها الكتب المدرسية بشكل مباشر أو غير مباشر.
وختامًا، وكشفًا للحقيقة، لم أجد ما يدعو للتفاؤل؛ فالعملية التي تتم شكلية تمامًا، تم فيها نقل من كان يعمل مستشارًا لهذا العمل في الوزارة منذ ما يزيد على عقدين من الزمن إلى المركز ليقوم بعمل الوحدة، مع أن طاقم التوجيه في المركز لا يملك ما يسعفه به.