وظيفة لبنان من وجهة النّظر الإيرانيّة

{title}
أخبار الأردن -

كتب  خيرالله خيرالله:

جاء وزير الخارجية بالوكالة الإيراني علي باقري كني إلى بيروت وانتقل منها إلى دمشق ليقول إنّ شيئاً لم يتغيّر في “الجمهوريّة الإسلاميّة”، خصوصاً لجهة الإصرار على اعتبار لبنان ورقة إيرانيّة في لعبة تتجاوز هذا البلد. في أساس هذه اللعبة نظرة الولايات المتحدة إلى إيران وطبيعة هيمنتها على المنطقة… مع طموح دائم لدى طهران إلى عقد “صفقة” من نوع ما معها. تعترف أميركا بموجب “الصفقة” بالدور الإيراني من جهة، وترفع العقوبات المفروضة على “الجمهوريّة الإسلاميّة” من جهة أخرى.

تبدو الرسالة التي حملها علي باقري واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أنّه لم يتغيّر شيء في “الجمهورية الإسلاميّة” نتيجة مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان في حادث تحطّم طائرة هليكوبتر في 19 أيار الماضي. جاء وزير الخارجية بالوكالة أو القائم بأعمال وزير الخارجيّة ليردّد اللغة الخشبية التي اعتمدها سلفه الراحل، وهي لغة تعبّر عن الوظيفة الحقيقيّة للبنان من وجهة النظر الإيرانية. يقول الذين يعرفون علي باقري عن كثب إنّه أكثر تشدّداً من سلفه الراحل حسين أمير عبد اللهيان الذي كان يعرف الكثير عن التركيبة اللبنانيّة والتعقيدات الداخلية في هذا البلد الصغير.

مجرّد إصرار الوزير الإيراني على ربط مصير لبنان بحرب غزّة، جريمة ليس بعدها جريمة في حقّ بلد لا ناقة له ولا جمل بما يدور في غزّة. مثل هذا الربط تأكيد لواقع على لبنان واللبنانيين الرضوخ له. يتمثّل ذلك في أنّ لبنان تحت سيطرة الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني وسلاحه.

انقلاب الحزب على الطّائف

على من لم يقتنع بعد بذلك، بين اللبنانيين، العودة إلى الكلام الصادر قبل أيّام عن الأمين العامّ للحزب الذي قال فجأة: “إمّا نرجع للعدّ وإمّا كلّ واحد يأخذ حجمه ويتكلّم عمّن يمثّل وبما يمثّل”. مثل هذا الكلام ليس انقلاباً على الطائف فحسب، بل يعبّر أيضاً عن رغبة في تغيير الوضع اللبناني برمّته وانقلاب على الصيغة وقلب النظام القائم.

جاء هذا الكلام الصادر عن نصرالله بمنزلة تمهيد لزيارة علي باقري التي تعبّر عن مزيد من التشدّد الإيراني في كلّ المنطقة وحتى داخل إيران نفسها حيث استقبل “المرشد” علي خامنئي حديثاً رئيس النظام السوري بشّار الأسد ليلقي عليه محاضرة تحت عنوان “هويّة سوريا” ومدى ارتباط هذه الهويّة بـ”المقاومة”.

ثمّة مؤشّرات عدّة تعبّر عن التشدّد الإيراني ترافقت مع مجيء وزير الخارجيّة بالوكالة إلى بيروت ودمشق. من بين هذه المؤشّرات الاعتداء على مطاعم تحمل أسماء شركات أميركيّة في بغداد. لا يحصل شيء في بغداد صدفة، خصوصاً أنّ معظم العراق، بما في ذلك العاصمة، تحت السيطرة الإيرانيّة.

خامنئي.. و”اللحظة المناسبة”

الأهمّ من ذلك كلّه، ذهاب خامنئي إلى القول إنّ المنطقة كانت في حاجة إلى هجوم 7 أكتوبر الماضي، أي إلى “طوفان الأقصى”، مضيفاً أنّ “هذا الهجوم الذي شنّته حماس جاء في اللحظة المناسبة”. يعكس هذا الكلام، الأوّل من نوعه الذي يصدر عن المسؤول الأعلى في إيران، توجّهاً واضحاً إلى التصعيد في كلّ الاتّجاهات. خصوصاً أنّه يأتي مع المبادرة التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل وضع حدّ لحرب غزة، والتي تتجاهل إيران ودورها وقدرتها على توسيع حرب غزّة ساعة تشاء.

كانت زيارة علي باقري لبيروت مهمّة في توقيتها، خصوصاً مع طرح المبادرة الأميركيّة وزيادة حدّة التصعيد بين إسرائيل والحزب. كان ربط الوزير الإيراني الاستقرار في لبنان بـ”المقاومة” إشارة ذكيّة إلى أنّ إيران تمتلك مفتاح الاستقرار في لبنان حيث فتح الحزب جبهة مع إسرائيل من دون أيّ أخذ في الاعتبار للنتائج الكارثية المترتّبة على ذلك.

يتصرّف الحزب بطريقة توحي بأنّه يساند غزّة متجاهلاً أنّ الوحش الإسرائيلي دمّر القطاع وجعله أرضاً غير قابلة للحياة. يبدو كلام نصرالله عن الأعداد والأحجام بمنزلة تهديد مباشر لكلّ لبناني يسعى إلى رفع صوته من أجل وقف الكارثة التي يبدو لبنان مقبلاً عليها بخطى ثابتة.

إيران تريد صفقة مع أميركا

يبقى أنّ الحديث عن زيارة علي باقري للبنان وسوريا رسالة إيرانيّة إلى الجانب العربي عموماً. هناك دوران مهمّان لمصر وقطر على صعيد الوساطات من أجل إنهاء حرب غزّة. وليس سرّاً أنّ الرئيس بايدن اتّصل بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد لأنّ قطر تلعب دور الوسيط مع “حماس”. كذلك حصل اجتماع ضمّ وزراء الخارجية السعودي والإماراتي والمصري والأردني والقطري للبحث في المبادرة الرئاسيّة الأميركيّة في شأن وقف حرب غزّة وما وفّرته من خريطة طريق تمهّد لما سمّاه بايدن “إعادة إعمار غزّة”.

لا تستطيع “الجمهوريّة الإسلاميّة” قبول أن تكون خارج الصورة، علماً أنّ لديها خطوطاً مفتوحة مع غير طرف عربي على تواصل مع الأميركيين. ما تريده إيران “صفقة” مباشرة مع أميركا واعتراف صحيح بدورها وشرعية مشروعها التوسّعي في المنطقة بغضّ النظر عمّا يحلّ بهذا البلد العربي أو ذاك أو بأهل الجنوب في لبنان. في انتظار هذه “الصفقة”، التي لا تستطيع إدارة بايدن الإقدام عليها، سنشهد مزيداً من الكوارث في المنطقة، خصوصاً في لبنان حيث لا يريد نصرالله أخذ العلم بعدد القرى الجنوبيّة المدمّرة أو بأعداد الجنوبيين الذي هُجّروا من قراهم وبلداتهم.

يُخشى أن يكون إصرار إيران على الخروج من طاولة المفاوضات في شأن غزة، في حال لم يُعترف بها لاعباً مهمّاً وأساسيّاً على هذه الطاولة، سبباً لتفجير لبنان، أي مزيد من الانهيار… لبلد منهار أصلاً.

 

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير