فكّ التباسات العلاقة بين الأردن وفلسطين
حسين الرواشدة
إزالة الالتباسات في فهم العلاقة بين الأردن وفلسطين أصبحت واجبة وضرورية ، ليس ،فقط ، لأن ذلك من شأنه أن يحمي الأردن وفلسطين ، ويحافظ عليهما وعلى هوية الشعبين معا ، ولا لأنه يضع هذه العلاقة التاريخية بين الأشقاء في مكانها الصحيح ، ويرد على من يحاولون تزوير تاريخها والعبث بها ، وإنما ، وهو الأهم ، لقطع الطريق على الكيان المحتل الذي يضع على أجندته تصفية القضية الفلسطينية ، وتحميل أعباء التصفيه للأردن ، هذا ما كشفت عنه الحرب على غزة بشكل واضح ، وهذا ما يحاول البعض تمريرة أو التسويق له، ، بقصد أو بدون قصد.
قبل نحو خمس سنوات ، أطلق الملك لاءاته الثلاثة؛ كلا للمساس بالقدس ،كلا للوطن البديل ، كلا للتوطين، هذا يعني أن القضية الفلسطينية،كانت وما تزال، في صميم الهم الوطني لدى الدولة الأردنية وكافة الأردنيين ، يعني ، ثانيا، أن الأردن هو الأردن وطن للأردنيين ، وفلسطين هي فلسطين وطن للفلسطينيين ، وأن لكل شعب منهما هويته ومستقبله الذي يقرره بنفسه .
يعني ، ثالثا، أن الدولة الأردنية ليست وصية على الفلسطينيين ، (وصايتها التاريخية ، فقط، على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية ،للحفاظ عليها، وحمايتها من التهويد) ، ولا تتدخل في شؤون الفلسطينيين إلا من باب التعاون والدعم والمساندة ، حيث لا خيار أردني هناك ، ولا دور امني أو إداري ، ولا قبول بالتهجير، ولا تنازل عن الدفاع عن حق العودة وإقامة الدولة وازالة الاحتلال ، يعني ،رابعا، أن الدولة الأردنية تعترف بعنوان فلسطيني واحد تتعامل معه ، وهو السلطة الوطنية الفلسطينية ، صحيح تحترم المقاومة وكافة الفصائل الفلسطينية ، لكن هذه التنظيمات مكانها فلسطين ، وليس في عمان.
بوسع الذين امتهنوا خلط الأوراق ، وتقمصوا عباءة المقاومة خلال الشهور الثمانية المنصرفة، وحرضوا على الدولة الأردنية ، وشككوا بمواقفها ، ثم تظاهروا في الشارع وعلى الشاشات للمطالبة بفتح الحدود وإلغاء المعاهدة، وبوسع آخرين حملوا ألوية إقحامنا بالحرب ، وخوفونا من المصير المحتوم إن لم نفعل ذلك ، وشطبوا من ذاكرتهم كل ما قدمناه للقضية الفلسطينية من دماء وشهداء ومواقف ، وما دفعناه ، ولا نزال، من أثمان سياسية .
بوسعهم أن يفتحوا أعينهم وضمائرهم على هذه الحقائق ، وأن يتوقفوا عن تكرار مثل هذه الاوهام، الأردن دولة وليس تنظيما، ولا ساحة لحروب تصفية الصراعات ومناطق النفوذ والمصالح ، يعرف أين يضع أقدامه، ويفهم تماما ما يجب أن يفعله ، يتحرك في إطار امكانياته وضروراته، للدفاع عن امنه ومصالحه العليا ، ولا يمكن ان يقبل الإتهامات التي يوجهها إليه ،بخبث ، فئة قليلة من الجاحدين الذين يضعون رجلا هنا و رجلا هناك.
حان الوقت لكي نتصارح جميعا ، الأردن تحمّل ،منذ اكثر من 100 عام ، أعباء القضية الفلسطينية، وما زال الأقرب إليها ، والأكثر التساقا بأهلها ،سياسيا وإنسانيا، ولن يتنازل عن هذا الدور ، لكن، الأردن وطن لمن يعيش فيه ولا يتنكر له ، ومن حق الأردنيين أن تكون لهم قضية هي أولويتهم ، أقصد قضية بناء الدولة الأردنية ، والحفاظ على صمودها واستقرارها، وقوتها ومنعتها، من حقهم أن يعبروا عن هويتهم الوطنية ، وأن يعتزوا ببلدهم وإنجازاته .
من حقهم ، ايضاً، أن يردوا بحزم على كل من يحاول العبث بثوابتهم ونواميسهم الوطنية، كل الأردنيين -بصرف النظر عن اجناسهم وأديانهم وأعراقهم ، يجب أن يتوحدوا على هذه العناوين ، كما أن من واجب الدولة / دولتهم عليهم أن يشهروا ولاءهم لها ، واعتزازهم بها ، وان لا يسمحوا لأحد أن يسيء إليها ، او يتعمد الانتقاص من تاريخها وإنجازها ورموزها ، لا يوجد لدى الأردنيين أي نزعة للإقصاء أو التعصب أو الكراهية ، استقبلوا ملايين الضيوف من اشقائهم، وفتحوا لهم أبواب بيوتهم ، وتقاسموا معهم العيش والكرامة .
الآن أمامنا مرحلة مزدحمة بالأخطار والاستحقاقات ، خاصة ما بعد الحرب على غزة ، لابد أن نفكر ، كأردنيين، بما يجب أن نفعله ، وأن نخرج من دائرة هذه الالتباسات المغشوشة التي يحاول البعض إيقاعنا بها ، لزعزعة وحدتنا الوطنية ، أو إضعاف نسيجنا الاجتماعي .
يطمئن الأردنيون ان لديهم دولة قادرة على حماية حقوقهم ، وجاهزة للدفاع عن حدودها ووجودها، ويتذكرون دائما أنهم شعب حي ، له تاريخ من التضحيات والبطولات ، يقف خلف عرشه ومع جيشه ، ويضحي من أجل أن يبقى وطنه الأردني عصيا على المحن والعاديات ، وان يبقى المدافع الأقوى عن قضايا أمته ، وفي مقدمتها قضية فلسطين ،لا توهنه أصوات الذين يصرخون هنا أو هناك ، أو ضجيج الذين لا يجدون خلاصهم من " عقدهم" ونقائصهم إلا بالهدم والتخوين ، والتجريح وتوزيع الإساءات .