بين شفيق وسعيد
مالك العثامنة
عام 1963 كان المفكر الموسوعي العالمي الأميركي– الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد ينضم إلى جامعة كولومبيا.
ذلك العام نفسه كانت نعمت شفيق تبلغ عاما واحدا من العمر، طفلة لإقطاعي مصري ثري اسمه طلعت شفيق، غادر مصر غاضبا مع أسرته بعد أن أمّمت الدولة المصرية أملاكه، فاختار الولايات المتحدة الأميركية مقرا ومستقرا له، كان عمر نعمت وقتها أربع سنوات.
يتضح من سيرتها الذاتية أنها ومنذ طفولتها المبكرة جدا كانت تحت "الحماية" الثقافية المغلقة المتأثرة بكل ما يتعلق بالغرب وتحديدا الولايات المتحدة، حتى أن حضانتها الأولى في مصر كانت في مدرسة خاصة تحمل اسما ألمانيا – Schutz- وبعد ترجمته إلى الإنجليزية يكون اسم المدرسة "مدرسة المحمية الأميركية".
هذه تفاصيل مهمة لفهم شخصية سيدة وصلت إلى أعلى ما يمكن الوصول إليه من درجات علمية ووظيفية ضمن نطاق تخصصها الأكاديمي في الاقتصاد. غير حصولها كبريطانية على عضوية مجلس العموم، وجنسيتها الأميركية كرئيس لجامعة كولومبيا. لكنها ومنذ طفولتها مع أسرة حانقة على ثروتها التي ضاعت في التأميم وحضانتها الأولى تحت "حماية أميركية" في الإسكندرية كان الطريق واضحا في حياتها بين الحنق الموروث والحضانة الممنهجة.
جامعة كولومبيا هي القاسم المشترك بين نعمت شفيق وإدوارد سعيد مع اختلاف المقامات ومع الاعتذار لروح المثقف العالمي الكبير، وهناك قواسم مشتركة فرعية أخرى من بينها تأثير مصر على الشخصيتين. فنعمت شفيق عادت في مطلع شبابها للدراسة الجامعية في الجامعة الأميركية، بينما درس إدوارد سعيد في كلية فكتوريا المشهورة بصرامتها التعليمية.
إدوارد ابن وديع حداد، هو إدوارد بذات الاسم الذي ولد فيه ولم يكن يحبه لأنه بعيد عن أصوله العربية المشرقية، بينما نعمت شفيق التي غيرت اسمها من نعمت إلى مينوش، وقد كرهت اسمها العربي وأصوله.
اشتبك إدوارد سعيد بكل وعيه وثقافته ومعرفته طوال عمره بموضوعات مثيرة للجدل، وواجه بشجاعة المثقف المتمكن بالمعرفة السياسات الغربية "والأميركية" تجاه عالمه العربي كأميركي من أصول عربية، ولم يفقد احترام الغرب له حتى مع أشد منتقديه، واللافت أن الراحل إدوارد سعيد تحدث كثيرا عن دور المثقف والسلطة، وفي كتاباته عن هذا الموضوع حين تطالعها اليوم– اليوم تحديدا بعد أحداث جامعة كولومبيا الأخيرة- تجد في كتاباته ظلال نعمت شفيق نموذجا للصورة السلبية القاتمة التي طالما انتقدها إدوارد سعيد كحالة انبطاحية تتملق السلطة إلى حد ميوعة الشخصية.
نعمت– مينوش- شفيق، لم تشتبك بما تحمله مفردة الاشتباك من معان حقيقية، بل كانت دوما تبحث عن سلالم تحملها إلى أهدافها بالنجاح الشخصي، وقد نجحت بأن تصبح بارونة إنجليزية! وأصغر نائب رئيس للبنك الدولي، ثم أكاديمية أميركية "كارهة لذاتها العربية" لتصل إلى سدة رئاسة جامعة كولومبيا، الجامعة التي ارتبط اسمها بإدوارد سعيد وخصصت كرسيا باسمه فيها، ويرتبط اليوم باسم مينوش شفيق في حدث هز الولايات المتحدة الأميركية بدأ بقرار ملتبس وغريب من مينوش باستدعاء الأمن والشرطة لقمع واعتقال طلاب جامعيين يعبرون عن رأيهم بسياسات بلادهم تجاه أحداث غزة.
والباقي عندك.. عزيزي القارئ.