العفو العام والانتخابات النيابية القادمة
د. ليث كمال نصراوين
دخل قانون العفو العام رقم (5) لسنة 2024 حيز التنفيذ بعد أن صدرت الإرادة الملكية السامية بالمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية، حيث قامت الجهات القضائية والأمنية المختصة بتطبيق نصوصه وأحكامه، وذلك من خلال الإفراج عن المحكومين الذين استفادوا من العفو العام، واسقاط الدعاوى الجزائية المقامة ضد الأشخاص الملاحقين بجرائم تم شمولها بالقانون الجديد.
ويبقى التساؤل الأبرز حول أثر صدور قانون العفو العام الأخير على ممارسة الأردنيين لحقوقهم السياسية المتمثلة بالاقتراع والترشح في الانتخابات النيابية القادمة المتوقع إجراؤها في هذا العام. فمن خلال استعراض التشريعات الوطنية ذات الصلة، نجد بأن قانون الانتخاب الحالي رقم (4) لسنة 2022 قد نص في المادة (3/ج) منه بالقول "يُحرم من ممارسة حق الانتخاب المحكوم عليه بالإفلاس ولم يستعد اعتباره قانونيا، وغير كامل الأهلية".
وهنا يثور التساؤل حول المقصود بالأشخاص غير كاملي الأهلية لغايات الحرمان من الحق في الانتخاب، وما إذا كان هذا القيد يشمل فاقدي الأهلية العقلية المتمثلة بعيوب الإرادة، أم الأهلية الأدبية التي تشمل المحكومين بجرائم جنائية.
ومن خلال الرجوع إلى قوانين الانتخاب الأردنية القديمة، نجد بأن البعض منها قد استثنى من ممارسة حق الانتخاب فاقدي الأهلية العقلية فقط كالمجنون أو المعتوه أو المحجور عليه، في حين أن قوانين انتخاب أخرى كقانون عام 1986 و2010 كانت تشمل ضمن فئة المحرومين من الحق في الانتخاب فاقدي الأهلية الأدبية؛ أي كل من كان محكوما عليه بالسجن لمدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يشمله العفو أو لم يُرد له اعتباره.
إن قانون الانتخاب الحالي لعام 2022 قد نص في المادة (4/د) منه على أن تقوم المحاكم الأردنية بتزويد دائرة الأحوال المدنية والجوازات بجميع الأحكام القطعية الصادرة عنها والمتعلقة بالإفلاس والمحجور عليهم وغير كاملي الأهلية. وهذا الحكم يعزز من القول بأن الأهلية المقصود بها لغايات الحرمان من الانتخاب هي الأهلية العقلية.
وفيما يخص الحق في الترشح، فإن المادة (75) من الدستور قد حددت الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس النواب، والتي من ضمنها "ألا يكون محكوما عليه بالحبس مدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يعف عنه". وهنا يثور التساؤل حول المقصود بكلمة "العفو" التي تجيز لمرتكب الجريمة الجزائية التي يزيد مدة الحبس فيها على سنة واحدة أن يترشح لعضوية مجلس النواب، وما إذا كان المشرع الدستوري قد قصد العفو بنوعيه العام والخاص، أم العفو العام فقط.
فقد يذهب البعض إلى القول بأن العفو لغايات المادة (75) من الدستور يشمل العفو بنوعيه العام والخاص، ذلك على اعتبار أن المطلق يجري على إطلاقه، وأنه لو كان المشرع الدستوري قد قصد بالعفو في المادة الدستورية المذكورة العفو العام وحده دون العفو الخاص لنص على ذلك صراحة.
في المقابل، يمكننا القول بأن الوقوف على إرادة المشرع الدستوري من إيراد كلمة "العفو" في المادة (75) من الدستور يكون من خلال تحديد الأثر القانوني المترتب على صدور كل من العفو العام والخاص. فالعفو العام يعفي إعفاء عاما جميع الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات والأفعال الجرمية التي وقعت قبل تاريخ معين، بحيث تزول حالة الإجرام من أساسها، وتسقط كل دعوى جزائية وعقوبة أصلية كانت أو فرعية تتعلق بأي من تلك الجرائم.
أما العفو الخاص، فإن أثره يقتصر فقط على إلغاء العقوبة الجزائية أو حتى تخفيضها في بعض الحالات كما نصت عليه المادة (38) من الدستور، وأن نطاقه لا يمتد إلى إلغاء حالة الإجرام أو اسقاط الآثار القانونية المترتبة على الفعل الجرمي. فالعفو الخاص شخصي، ويمكن أن يكون باسقاط العقوبة أو إبدالها أو بتخفيفها كليا أو جزئيا استنادا لأحكام المادة (51/3) من قانون العقوبات الأردني.
إن قانون الانتخاب لعام 2010 قد ربط الإعفاء من الجريمة الجزائية لغايات ثبوت الحق في الانتخاب والترشح بالاستفادة من العفو العام وحده دون العفو الخاص. فالمادة (3/ج) من ذلك القانون كانت تنص على أن "يُحرم من ممارسة حق الانتخاب من كان محكوما عليه بالسجن لمدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يشمله عفو عام أو لم يُرد له اعتباره".
كما نصت المادة (8) من قانون الانتخاب لعام 2010 بالقول "يُشترط في المتقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلس النواب ألا يكون محكوما بالسجن لمدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يشمله عفو عام".
وفي جميع الأحوال، فإن من التبعات السياسية لقانون العفو العام الأخير أنه قد منح فرصا جديدة للمستفيدين منه من محكومين وموقوفين لممارسة حقوقهم السياسية، وبالأخص الحق في الترشح للانتخابات النيابية القادمة لاختيار مجلس النواب العشرين.