صناعة الأعداء الوهميين مكلفة
ماهر أبو طير
لافت للانتباه هذه الموضة السائدة هنا في الأردن، أي تصنيع أعداء وهميين، وحشد الداخل الأردني وتوتيره ضد هؤلاء وشد اعصاب المجتمع، نحو أعداء مستحدثين بدلاء عن الاصليين.
هذا امر نلمسه في حالات كثيرة، ولا أريد الدخول هنا في تفاصيل الأعداء الوهميين الذين تتم صناعتهم كل يوم، باعتبارهم الاولوية، وانهم المهدد الاساس للأردن.
الأعداء الوهميون هنا يتم تصنيعهم وتصنيفهم في الوعي االجمعي، من خلال عنونة بعضهم من داخل الأردن، او من جوار الأردن، والمؤسف ان هذا تضليل، لأننا امام عملية استبدال في الأعداء الاصليين، وهو تضليل يعتمد على ارهاق بصائر الناس بقضايا جانية.
إذا كانت هناك مهددات حقيقية للأردن فهي اولا الاحتلال الاسرائيلي، من خلال ما يفعله في فلسطين، ومشروعه الاستراتيجي تجاه الأردن، وهذا عدو حقيقي لا يؤمن جانبه، مهما قيل من كلام براغماتي يراد عبره ادامة نظرية استحالة معاداة اسرائيل، وكلفتها محليا واقليميا ودوليا، وادامة مهادنته بكل الوسائل تحت عناوين مختلفة، تقول ان اسرائيل اقوى، والولايات المتحدة تدعمها، اضافة الى ما يستجد من كلام حول تغيرات في خريطة الشرق الاوسط، قد تؤدي الى تمدد اسرائيل سياسيا، وتحت عنوان يقول لماذا نخرج من لعبة الصياغة، فرقاً في الحسابات.
المهددات الثانية، تنبع من قضايا داخلية، تتعلق بالوضع الاقتصادي، وتماسك البنية الاجتماعية، والتطلعات المختلفة، وما يرتبط بأهم ملفات مثل الفقر والبطالة وسيادة القانون والعدالة وحقوق الانسان والتنمية، وغير ذلك من قضايا توجب اعادة المعالجة بشكل مختلف، خصوصا، ان الاستفادة من الازمات الاقليمية وازمات الجوار لتصنيع الأعداء الوهميين، من اجل الملفات الاكثر اهمية، او اطفاء المطالبات حولها، امر مفيد مؤقتا وتكتيكياً، لكنه لا ينجح استراتيجيا، خصوصا، ان كثير من هذه القضايا تتضاعف كلفتها يوما بعد يوم، وكل استحقاق يتم تركه الآن، او التهوين منه، سيعود الينا بفوائد مضاعفة خلال السنين القليلة المقبلة، ولن يتبدد كما يتوقع البعض، وعودة الاستحقاق في وقت متأخر مكلفة وشائكة جدا.
هذا الكلام لا يعني عدم وجود أعداء او ازمات خارج العنوانين السابقين، لكن الاشارة هنا تنتقد عمليا المبالغة في تصنيع العداوات والاخطار وتركيزها تحت عناوين محلية او عربية او اقليمية، وكأنها الاساس، او باعتبارها الشغل الشاغل لنا، وكأن الاستبدال هنا، وسيلة للتهرب من قضايا اكثر اهمية، واكثر ضغطا وتهديدا لخواصر الأردن الاكثر حساسية وضعفا.
لا يمكن ان نعبر المرحلة المقبلة بذات الطريقة، اي الادارة اليومية لشؤون الداخل، وقد قيل مرارا من جانب المخلصين، انه يتوجب ابتكار ادارة مختلفة، بدلا من حالة الادارة بالمياومة، فهذه ادارة تصلح لظرف استثنائي، لكنها لا تصلح على المدى البعيد، حتى لانصحو في وقت متأخر، وقد تضخمت كل الملفات بشكل يستحيل التعامل معها، او الاقتراب منها.
نحن بحاجة الى وصفات حل مختلفة، وبحاجة ايضا للاستماع الى أصوات يتم تجاهلها حاليا، وهي أصوات لايمكن التشكيك في نقاء معدنها، ولا وطنيتها ايضا، ولا صدقية دوافعها.