نفاق إداريّ أم أخلاقيّ
د. ذوقان عبيدات
اشتهرت المجالس والمواقع الالكترونية باستخدام مصطلحات مجاملة متطرفة، فحين تكتب مقالة تنهال عليك الردود غالبًا ممن لم يقرأوا مقالتك:
_ أبدعت.
_وضعت يدك على الجرح.
وحين يحصل أحد على وظيفة مسروقة، تنهال عليه عبارات:
-بكم تزهو المناصب.
-الرجل المناسب في المكان المناسب.
-قامة وطنية.
وهم يعرفون بدقة كيف تم تلزيمه المنصب، وما الضغوط، ومن النواب الذين اتحدوا يدًا واحدة لتلبيس المنصب هذا الشخص.
وحين يمددون لشخص-وهذا كان سلوكًا نادرًا قبل هذه الحكومة، ينهالون على من تمدّد له بالتهاني وقول:
-من حقك إكمال مشروعاتك التطويرية.
-احمِ إنجازاتك الإصلاحية.
-ولأن بابك مفتوح لكل مواطن، نفرح بالتمديد.
وهم يعرفون أن مؤسسته أو إدارته قد تراجعت خطوات في عهده السابق.
والحكومة سعيدة لأن بعض الثناء النفاقي يصل إليها، فلولا حكمة المسؤول ما تم التمديد!
(١)
من علمنا ذلك!
قيل: إن قيم السلطة والوظيفة ورثناها من الحكم التركي، فالأتراك هم من علمونا مكانة السلطان، وقيمة المسؤول.
وهم من قالوا:
حضرة جنابك،
معاليك،
عطوفتك،
سعادة البيك، الباشا، والأفندي،
وفي الألقاب الدينية:
سماحة، فضيلة،
نيافة، قداسة، غبطة،
وفي التخاطب:
حضرة، الأكرم، المحترم.
وفي الحديث؛ يبدأ المسؤول بتوجيه من معالي عطوفة … الخ
هذه الألفاظ والتعظيمات مصدر سعادة لأصحابها حتى في العلم: هناك لقب لكل رتبة:
بروفيسور، فل بروفيسور، مشارك، مساعد، والويل لأي طالب إن تجاهل هذه الألقاب!!
حتى في العائلة يقال للأب:
رب العائلة وللجد سيدي.
ألقاب في كل مجال! فماذا يقول علم النفس الإداريّ والاجتماعي عن ذلك؟
(٢)
لماذا النفاق؟ ومن المنافقون؟
بالرغم من أن جزءًا من ثقافتنا يرفض النفاق، ويتهم المنافقين، إلّا أن هناك قيمًا تدعو صراحة للنفاق مثل؛
-تمسكن حتى تتمكن.
-"الإيد اللي ما بتقدر تعضها بوسها".
وبالرغم أن ثقافتنا الدينية تطالبنا بقول الحق من دون خوف إلّا أن النفاق يبقى مَعلَمًا بارزًا في سلوكنا! فما سبب ذلك؟
يقول علماء الأخلاق بوجود ازدواجية في المعايير الأخلاقية للمنافق، ما يضطره أن يكون انتهازيًا يسعى للقفز إلى الأعلى من دون اهتمام للوسائل. فالغاية تبزر الوساطة.
ويقول علماء الإدارة: إذا وجدت صمتًا داخل المؤسسة، فاعلم أنها بيئة تشجع النفاق، ولا أمل لغير المنافقين. فالنفاق طريق مفروش نحو الارتقاء الوظيفي!
ويتفق علماء النفس الاجتماعي على صفات المنافق، بأنها:
-تظاهر وشكلية غير حقيقية، فما هو داخل ليس كما يقال، فالمنافق على رأي الشاعر العراقي مظفر النواب: يحمل في الداخل ضدّه.
-والمنافق هو الأقرب إلى السلطان في أي موقع، يتابعه بالمدح والأخبار.
ومن المهم أن نعرف بأن المستفيد من النفاق هو المنافق نفسه،
والنصيحة للمسؤول:
نفّض كتفيك.. علّ هناك على كتفيك يتسلق إنسان ما.
فالمنافق في علم النفس إنسان جبان ضعيف لا يستطيع البقاء في منصبه أو الصعود إلّا بالنفاق!
وكل صاحب "مزرعة" إدارية أردنية يفرض ويدعم الجو النفاقي.
فهمت علي جنابك! أو أوضّح لك أكثر؟!