السرقة العبيطة التي وقع فيها صُناع "الحشاشين"
طايع الديب
شاهدت حلقة ونص من مسلسل "الحشاشين"، أهم مسلسلات رمضان هذا العام. ولم أتحمس لاستكمال المشاهدة، فقد وجدت أنه رغم الإبهار التقني العالي والإمكانيات الكبيرة والدعاية المكثفة، فإن أحداث المسلسل تكاد تكون "ملطوشة" حرفيا من خرافة اخترعها الروائي الفرنسي أمين معلوف (لبناني الأصل) في روايته "سمرقند"، ما يعني أن المسلسل برمته مسروق، وأن أحداثه ليست من "وحي التاريخ"، كما هو معلن، بل هي من "وحي" أمين معلوف!
ومن سوء حظ صناع المسلسل أني مهتم بالقراءة عن الحقبة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، القرن الحادي عشر، وعن فكر الباطنية عموما. وقد تبيّن لي - مثلا- أن الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي جاء إلى مصر باعتباره داعية شيعيا!
وبصرف النظر عن "التصرفات" التي أدخلها مخرج المسلسل بيتر ميمي، وهو اسم يصلح لكوافير حريمي، فإن الخرافة المبني عليها العمل هي أن حسن الصباح وعمر الخيام وأبو علي الطوسي "نظام الملك" كانوا أصدقاء طفولة، الأمر الذي ينسفه نسفا كون الصباح أكبر من الخيام بـ 11 سنة. والحقيقة أنهما لم يلتقيا أبدا.
أمّا عن علاقة حسن الصباح بالوزير نظام الملك، فهي علاقة استمرت لمدة سنة واحدة فقط، عمل فيها الصباح في ديوان السلاجقة لضبط حسابات الديوان. فقد كان الرجل داهية، وعالما في الرياضيات والحساب، وزاهدا. ولم يكن كما تم تصويره "سفّاحا" على الإطلاق.
وعندما علم السلاجقة أنه باطني، كادوا يقتلونه. فهرب ليلا عبر الجبال إلى أصفهان، ولم يعد مرة أخرى إلى نطاق سيطرة دولة السلاجقة.
وأمّا الخرافة الثانية، فقد ظهرت في أول مشاهد المسلسل، عندما ألقى أحد أتباع الصباح نفسه من فوق أسوار قلعة "آلموت"، ومعناها بالفارسية "مثابة العُقاب". وهي أيضا أكذوبة اخترعها هذه المرة الرحالة الإيطالي ماركو بولو، الذي جاب أصقاع العالم القديم في تلك الفترة، وكتب كتابا ضخما مازال يُطبع في أوروبا حتى اليوم، رغم أن معظم ما جاء فيه كان سماعيّا، ومستقى من أساطير العامة وقتها.
والمفاجأة الكبرى، التي أؤكدها هنا، هي أن اسم جماعة "الحشاشين" ليس مأخوذا من مخدر الحشيش كما يُشاع خطأ، بزعم أن الصباح كان يقدّم لأتباعه الحشيش والفتيات الحسان كأنهن الحور العين، لكي يوهمهم أنهم في الجنة، وأن لديه هو مفتاح الجنة!
الحقيقة، أن سكان قلعة "آلموت" كانوا يعتمدون في معيشتهم على زراعة النباتات الطبية وبيعها. وكنا نحن أهل القرى الفلاحين ونحن صغار، نسمي نباتات الأرض باسم "الحشيش"، لأن الفلاح "يحشّها" عند حصادها بالمنجل. لذلك سُميّت الطائفة "الحشيشيّة"، ثم تحوّر الاسم بعد ذلك إلى "الحشاشين"، خصوصا في كتابات المؤرخين السُنة أعداء الفرق الباطنية.
هذه بعض الملاحظات على "أباطيل" المسلسل.