التهدئة المستحيلة في فلسطين
ماهر أبو طير
لا يبدو أبدا أن كل الظروف في فلسطين المحتلة تذهب نحو اي نقطة تهدئة، فالتعقيدات تشتد في كل المحاور داخل قطاع غزة، وخارج القطاع، بما في ذلك القدس والمسجد الاقصى.
على مشارف رمضان تؤشر كل التوقعات على وضع سيئ جدا في القدس، وكل التسريبات تتحدث عن اجراءات امنية اسرائيلية غير مسبوقة ستؤدي الى تداعيات كبيرة، والاحتلال هنا الذي يتحدث عن سيادته على الحرم القدسي يريد ان يضمن التهدئة في المسجد الاقصى بسبب تجمعات المصلين لكن ادارته الامنية ستؤدي الى نتائج اسوأ خصوصا، مع التحشيد العسكري والامني داخل الحرم القدسي، والتحكم بأعمار المصلين وفئات المصلين واذا ما كانوا من القدس او الضفة الغربية او مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، التي تتركز الاعين عليها هذه الايام.
في الوقت ذاته فإن الهدنة في قطاع غزة بالمواصفات الاسرائيلية تبدو مستحيلة، فهي هدنة تكتيكية من اجل عبور شهر رمضان فقط، ولا تريد اسرائيل الانسحاب من قطاع غزة، كليا، ولا السماح لأهل شمال غزة بالعودة المفتوحة، بل ضمن شروط، وتهدد منطقة رفح في الوقت ذاته، ولا تريد استعادة الحياة داخل المناطق المنكوبة، وهي ايضا تتخلص من خلال عملياتها العسكرية داخل قطاع غزة، من الاسرى الاسرائيليين عبر القصف والقتل، لسلب هذه الورقة من يد فصائل المقاومة، وكل التلاعبات الاسرائيلية لها حسابات اسرائيلية داخلية تتعلق ببنية الفريق الامني والسياسي والعسكري الاسرائيلي ومخاوفه من مرحلة ما بعد الحرب، ويضاف الى ماسبق اتفجار معارك التجنيد للتيار المتدين الاسرائيلي وما يتركه ذلك من اثر على بنية الاحتلال، وبما يؤشر اصلا على الخسائر داخل صفوف الجيش الاسرائيلي في هذه الحرب المفتوحة.
جملة العوامل المعقدة نراها عند الشعب الفلسطيني ايضا، لان اهل قطاع غزة يتعرضون الى اكثر من حرب واحدة، حرب القصف اليومية، وحرب التجويع، وحرب التجهيل من خلال تمدير الجامعات والمدارس، والحرب على الحياة ذاتها من خلال تدمير البنى التحتية، واي هدنة مؤقتة لكل هذه الحروب، ستكون مجرد وقفة لاسترداد التنفس بشكل مؤقت، لكنها لا تعود لاهل القطاع بمكتسبات يفترضها اهل القطاع، وهذا يفسر رفض فصائل المقاومة، القبول بهدنة مؤقتة وفقا للاشتراطات الاسرائيلية، التي تفترض ان مواصلة الذبح سيؤدي الى الاستسلام الكلي.
هذا يعني في المحصلة تعقيد الوضع الداخلي في فلسطين المحتلة، على كافة الجبهات، وهو وضع لا يبدو مثل اي وضع مر داخل فلسطين، والامر لا يقف عند حدود الشعب الفلسطيني، بل ان مجتمع الاحتلال يتعرض اليوم ايضا الى وضع مختلف منذ نشأة اسرائيل، اذ على الرغم من الدعم الغربي والاميركي لاسرائيل إلا ان التراجعات على كافة المستويات الاقتصادية والامنية والسياسية، وانقسام المجتمع الاسرائيلي سياسيا وامنيا، ظواهر تحدث لاول مرة، ولها كلف كبيرة على المدى المتوسط والاستراتيجي، وهي كلف ستحتاج اسرائيل لفترات طويلة لتعويضها اذا استطاعت ذلك اصلا، في ظل المؤشرات التي نراها كل يوم داخل فلسطين.
عقد المقارنات والمقاربات بين الوضع الحالي، وظروف سابقة شبيهة، سيؤدي الى تضليل الرأي العام، لأن الشهور التي مرت، مختلفة عن كل العقود التي مرت، وهذا يعني ان التهدئة مستحيلة هذه المرة، في ظل كل هذه التفاصيل التي تقول ان اسرائيل دخلت حربا، لا تعرف كيف توقفها، ولا تعرف نهايتها ايضا، ولا تجد حلا لها سوى مواصلة القتل كل يوم، بما يعني ان المراهنة على هدنة مؤقتة تؤدي الى هدنة دائمة، مراهنة خاسرة لاعتبارات كثيرة.