هذا بلدنا.. ليس لنا غيره
حسين الرواشدة
يجب ان نعترف ، لدينا أزمة عميقة ومتراكمة في النقاش العام ، وفي الخطاب العام ، ( وفي قيم وأشياء أخرى ليس هذا وقت الحديث عنها) نخشى أن تتوسع ، ونلحّ كثيرا على فهم أسبابها وسياقاتها ،ومن يقف وراءها ، ثم تطويق ما أفرزته من وقائع وإصابات على صعيد جبهتنا الداخلية ، ومصالحنا الوطنية العليا .
لا يراودني أي شك بأن مواقف معظم الأردنيين مشروعة، كما انها مفهومة في سياق ما يحدث من عدوان على غزة واهلها ، وبأن وطنيتهم تسموا على كل ما قد يقال عنها من توصيفات او محاولات تشكيك ، لكن الغائب في النقاش الدائر هو المصارحة بين الدولة والأردنيين، حول من يجب أن يقود الآخر : الدولة ام الشارع ؟ وحول من يجب ان يكون حاضرا : العقل ام الانفعالات والعواطف ، لحظة النشوة والصدمة بحساباتها الآنية ، ام لحظة فهم الواقع وتدبير أدوات التعامل معه لتأمين المستقبل ؟ هذا واجب ادارات الدولة والنخب الوطنية الحقة التي ما يزال بعضها غائبا ،وهذا ما يجب أن يكون في صلب أولوياتنا خلال هذه المرحلة الخطيرة التي يواجهها بلدنا ، هذا الذي ليس لنا غيره.
في هذا الإطار ، لا بد أن ننتبه لارتدادات الحرب على جبهتنا الداخلية وأمننا الوطني، كما ظهر ذلك واضحا في تصعيد الخطاب ، وحراكات الشارع وهتافاته ، ودعوات بعض النخب السياسية التي تصدرت الصفوف، ثم فيما تسلل لمجتمعنا من تقمصات لحالة الحرب وأطرافها ، حدث هذا التقمص في المدارس والجامعات ، وفي الإضراب الذي فاجأنا ، وقد ثبت انه كان رسالة جس نبض وتحذير لقادم اخطر .
الأردنيون بوعيهم يدركون أن ثمة خطة خبيثة تسعى إلى إيقاعهم في "فخ" الخصومة مع الدولة (دولتهم) و إداراتها ، او فرض ارداة مجهولة المصدر عليهما ، ويدركون ،أيضا ،ان تمرير استحقاقات المرحلة القادمة من بوابة العبث بالديموغرافيا ، وتصنيف الأردنيين على مساطر أصبحت معروفة ، هو جزء من هذه الخطة ، ولن يتوقف عندها أيضا .
لدى الأردنيين "قضية وطنية" ما زالت في طور الإنضاج ، وفي مواجهتهم محاولات لحرف هذه القضية وتوظيفها في سياقات تضرّ بهم وبمؤسساتهم ، بل وربما تتجاوز ذلك إلى تهديد وجودهم ، صحيح ، لا بأس أن تكون الصرخات والمطالبات والضغوطات التي نسمعها من البعض إنذارات لكل الذين يتربعون على كراسي المسؤولية بكافة إدارات الدولة ومؤسساتها ، هذا انكشاف جديد لواقع وتراكمات تجاهلناها على مدى العقود الماضية ، ويجب أن يحظى( هذا الانكشاف) بالاعتراف والفهم والمراجعة ، لكن الأهم هو أن نفتح عيوننا ، أولا ، على الأسباب والسياقات التى خرج منها كل ذلك، وثانيا، على التعامل معه بكل مسؤولية، ثم أن نمنع أي عملية اختراق أو دخول او توظيف له خارج إطار القضية الأردنية .
لدي ، هنا ، عدة مخاوف وهواجس مما يجري ، الأول : إعادة فتح الشارع ، بهذه الطريقة ، لاسترضائه ثم الانصياع لسقوفه والتسابق معه في مارثون تأكيد القيام بالواجب الوطني ، هذا الذي نُتهم دائما أننا لا نقوم به ، دون أن نعرف مآلات هذه التعبئة وكلفتها مستقبلا ، الثاني : غياب العقلاء ، سواء في دفة المسؤولية، أو المجتمع ،عن النقاشات التي تجري، وامتناعهم عن المشاركة فيها .
الثالث : توظيف " لافتة" الحرب ونشوة الانتصار وصدمة العدوان لاستدعاء المظلوميات التي يشعر بها بعض الأردنيين ،هذا الاستدعاء لمن يعرف الشخصية الأردنية مسألة خطيرة ، ويجب أن نتعامل معها بحكمة وبمنطق الدولة ، لا بأي منطق آخر ، الرابع : اختزال الأزمة الكبرى في توقيت عابر او لحظة صادمة فقط ، وفي دائرة جغرافيا و ديموغرافيا واحدة ، دون فهم أسباب ذلك ، والاعتراف بأنها كانت موجودة وستستمر إذا لم ننتبه لها ، ودون حل ألغاز التحولات التي طرأت على المجتمع وإدارات الدولة، وأفرزت مخاوف العبث بالهوية، أو بالمكتسبات التاريخية لدى الاردنيين .
قلت : نحتاج إلى إدارة النقاش العام حول هذه الأزمة ، ثم تصحيح الخطاب العام ، من منطلق مصارحة الأردنيين ومصالحتهم، وتطمينهم و الإجابة على اسئلتهم ، وتبديد هواجسهم على مستقبل بلدهم ،وأضيف ، هنا، فقط : إن هذه المهمة تحتاج إلى رجالات دولة قادرين على إيصال الرسالة بخطاب وطني صادق ، وبروح اردنية عالية الهمة
والموثوقية.أين هم ؟ لا ادري .