يجب أن نتصارح: الأردن في خطر
حسين الرواشدة
هل يشعر الأردن بالقلق من اليوم التالي للحرب على غزة؟
اكيد ، نعم ، رئيس وزراء سابق مخضرم قال : ان الدولة الأردنية امام موقف صعب لم تمر به منذ تأسيسها ، العديد من الشخصيات السياسية التي آثرت الصمت، حتى الان ، التقيتهم خلال الشهرين المنصرفين ، اكدوا ذلك ، اغلبية الأردنيين ، بتقديري، يتنازعهم هذا الإحساس ، لكن ما زالوا مشدودين لثنائية الصدمة مما حدث ويحدث، وانتظار الانتصار الذي يبدو في علم الغيب، المفارقة في كل ذلك أن كتلة من "المتحمسين" باتجاه دفع الأردن إلى الجدار ، استحوذوا على المشهد بالكامل، فيما انسحب الحكماء إلى الظل ، وكأن شعار"لا صوت يعلو على صوت المعركة" عاد مرة أخرى ، وأخشى ما أخشاه أن يلجمنا عن فهم يجري ، أو عن استبصار ما هو قادم.
لا أريد أن أعيد التذكير بما كتبته ،هنا، في عشرات المقالات عن ضرورة عقلنة الخطاب العام ، وإجراء ما يلزم من مراجعات لتصويب المسارات ، لكي نعرف أين نضع اقدامنا على هذه الأرض التي يبدو أن الحرائق المشتعلة حولنا ستصلها ، أشير ،فقط ، إلى أن واقعة الإضراب العام التي شهدناها ،قبل يومين ، بما خرج عنها من رسائل وأسئلة مخيفة ، تؤكد ما ذهبت إليه تماما، وما أخشى منه ايضا.
معقول أن يكون بلدنا الوحيد الاستثنا في هذا العالم الذي استجاب فيه الشارع ( لا اقول الحكومة) لهذه الدعوة التي شلت الحياة في شوارعنا ، فيما لم يتحرك أحد ليسأل :كيف حدث ذلك ، ومن حرك وأدار العملية ، ولماذا وقفنا صامتين ،أو عاجزين ، عن فعل اي شي ، او حتى عن القول بأن أمن بلدنا ومصالحنا لا يحتملان هكذا قفزات لا تصب في دعم إخواننا الصامدين في غزة ، أو حتى التفكير بأن نموذج الإضراب يمكن أن يتكرر بنسخ أخرى صادمة أكثر ، ما دام أن تعبئة الشارع انصبت باتجاهات لم تضع( الأردن) ، بكل ما تعني (الأردن) من تاريخ وجغرافيا ، ومن إمكانيات ومواقف ، وحسابات ومصالح سياسية ، بالاعتبار ، اليوم ..وغدا.
قلت : قلق الأردنيين ؛ أفترض الدولة والمجتمع معا، من اليوم التالي للحرب على غزة، واقصد ،هنا ، ضرورة استدعاء أكثر من سؤال ، خذ ،مثلا، كيف تفكر واشنطن وتل أبيب والدول المهمة في الإقليم اتجاه بلدنا الذي يرتبط بعلاقات معها، وما هي ردودهم القادمة ، ثم كيف تتحرك الكتل السياسية والاجتماعية في مجتمعنا ، وهل لدى إدارة الدولة تصورات محددة لما أفرزته حالة التظاهر والتعبئة من تغيرات وتحولات وأجندات ( ضع خطا تحت اجندات) في مجتمعنا، وما يمكن أن تفضي إليه من نتائج ، ثم كيف ستكون خريطة تحالفاتنا في المرحلة القادمة ، هل نشعر أننا سنكون وحيدين في مواجهة أطراف عديدة ،أقل ما يمكن أن يقال عنها ، أنها لن تمد لنا يدها للمساعدة، أو الدعم ، أو أنها لم تتفهم مواقفنا خلال الحرب ؟
أول ما يجب أن نضعه في اعتبارنا ، الآن، هو "الداخل الأردني"، سواء من جهة تحصينه من أي عبث يحاول أن يتسلل إليه ، تحت أي عباءة أو شعار ، أو من جهة التوافق وانطلاق صوت الحكمة لدى النخبة ، المفترض أن تخرج من حالة الحرد والانزواء، و"أنا مالي ؟"، بموازاة ذلك ، لابد أن نضع دفتر حساباتنا السياسية على الطاولة ، لنعرف دورنا القادم فيما يتعلق بعلاقاتنا وحلفائنا ،ومصالحنا العليا ، وحدودنا الجغرافيا والسياسية، ثم نقارن بين ماكانت عليه قبل الحرب ، وما ستكون عليه بعده، والأهم : كيف نتصرف؟
يا سادة : تذكروا أن هذا الأردن كان على مدى 100 عام قلعة الاعتدال والعقلانيه والواقعية ، يتعلم دائما من تجاربه القاسية، ولا يكرر أخطاءها ، يخرج من أزماته حين يحضر الحكماء ولا يترددون عن إبداء النصيحة ، حتى لو دفعوا الثمن …وفهمكم كفاية.