كيف تمنع قتل طفل فلسطيني؟.. حملات مقاطعة في دولة عربية
"هل قتلت طفلاً فلسطينيًا اليوم؟". اعتُمِد هذا السؤال شعارًا لحملة المقاطعة ضدّ إسرائيل في الكويت، حيث أراد مطلقوه الدعوة لمقاطعة المنتجات والشركات الداعمة لإسرائيل، والتنبيه إلى أنّ خلاف ذلك قد يعني المساهمة من دون علم، في قتل الأطفال بغزة.
ولا تقف حملة المقاطعة ضدّ إسرائيل عند حدود الكويت، فقد شملت العديد من العواصم حول العالم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، واستهدفت العديد من الشركات المصنّفة على أنها داعمة للاحتلال، أو أعلنت صراحةً دعمها للجيش الإسرائيلي.
من هذه الشركات مثلاً سلسلة المطاعم الشهيرة ماكدونالدز التي أعلن فرعها في إسرائيل تقديم وجبات مجانية لجنود جيش الاحتلال، وكذلك مقهى ستاربكس الذي انتشرت مشاهد للكثير من فروعه وهي "فارغة" خلافًا لما هو معتاد في كلّ فروعه.
ولعلّ ما يلفت وسط هذه المعمعة، أنّ حملات المقاطعة خرجت من نطاقها العربي، فوصلت إلى الدول الغربية، حيث بدأ ناشطون غربيّون يروّجون لتكثيف حملات المقاطعة، التي ساهمت سابقًا في إسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
لكن، هل يمكن القول إنّ حملات المقاطعة ضدّ إسرائيل فعّالة حقًا؟ هل تُعتبَر الطريقة المستخدَمة حاليًا لمقاطعة الشركات العالمية مؤثّرة؟ والأهمّ من ذلك، هل تردع هذه الأساليب إسرائيل وداعميها؟ وكيف تتعامل الدول الغربية مع هذه الحملات التي تهدّد شركاتها؟
حملة المقاطعة ضدّ إسرائيل
تأسّست حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، أو ما يُعرَف اصطلاحًا باسم BDS، عام 2005، من قبل مجموعة من الناشطين الفلسطينيين والعرب واليهود المعادين للحركة الصهيونية واتحادات العمل والنقابات الاجنبية.
وتُعتبر هذه الحركة من الحملات الأكثر تنظيمًا وفعالية، حيث تدعو الى مقاطعة الشركات الإسرائيلية والشركات العالمية المتورطة في انتهاك حقوق الفلسطينيين، والتي تدعم بشكل مباشر الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وليس خافيًا على أحد أنّ إسرائيل تتخوّف من توسّع حملات المقاطعة، حتى إنّ وزير الأمن العام والشؤون الاستراتيجية السابق جلعاد أرادان قال خلال كلمة ألقاها في مؤتمر لحزب اللكود عام 2017، إنّهم انتقلوا من "حالة الدفاع إلى الهجوم".
وخلص تقرير أعدّته وزارة المالية الإسرائيلية عام 2013، وسُمِح بنشره عام 2015، إلى خمس سيناريوهات لخطر المقاطعة المتمادي، أولها وأقلّها وطأة، يعتبر أن المقاطعة الطوعية لعدد محدود من الدول والمستهلكين يمكن أن يتسبّب في خسارة بقيمة 130 مليون دولار وفقدان 430 شخصًا وظائفهم سنويًا.
وفي حال ازدادت حدّة هذه المقاطعة بكل دول الاتحاد الأوروبي وكلّ المستهلكين فيها والمتاجر للبضائع المصنعة داخلة الأراضي المحتلة عام 67، فقد يؤدي ذلك إلى تقلّص تصدير البضائع الإسرائيلية بنسبة 1%، وخسارة نصف مليار دولار سنويًا، وحوالي 1800 وظيفة.
أما في حال وصلت المقاطعة إلى مقاطعة كل البضائع الاسرائيلية مهما كان مكان تصنيعها، أكان في الأراضي اللي احتلت عام 67 أي الضفة وغزة، أو في الداخل الإسرائيلي، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل شبيهة بتلك العقوبات التي فرضت على نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى السيناريو الأسوأ لإسرائيل وهو خسارة 10 مليارات دولار سنويًا ونحو 40 ألف وظيفة.
وفي وقت يسوّق التقرير الرسمي الإسرائيلي أنّ تأثير حركة المقاطعة "هامشي ولا يُذكَر حتى الساعة"، يتحدّث تقرير لصحيفة "هآرتس" نشر عام 2015، عن خسائر وصلت إلى نحو 6 مليارات دولار بين عامي 2013 و2014، نتيجة مقاطعة منتوجات المستوطنات الزراعية
حملة إسرائيلية "مضادة"
إلى جانب الأثر الاقتصادي المباشر، فإنّ أكثر ما يزعج إسرائيل هو ما يرتبط بالمقاطعة الثقافية والأكاديمية والرياضية، نتيجة توصيف إسرائيل على الساحة الدولية باعتبارها "دولة احتلال واستعمار ودولة عنصرية وخارجة عن القانون الدولي، وغيرها من الصفات التي تسعى إسرائيل إلى طمسها.
ولذلك، يتعامل الإسرائيلي بجدية شديدة مع توسع انتشار حركات المقاطعة لإسرائيل في العالم، لدرجة إصدار ما وصفها بـ"لائحة سوداء" عام 2015، تتضمّن مجموعة من الأسماء والمنظمات الناشطة في حملة المقاطعة، ومنعهم من دخول إسرائيل.
وتقوم الحملة الإسرائيلية المضادة بربط مقاطعة إسرائيل بتهمة "معاداة إسرائيل"، إلى جانب ضغط جمعيات أصدقاء إسرائيل وجماعات الضغط الصهيونية لتجريم المقاطعة في عدد من الدول.
وكان لهذه الضغوط أثرها بالفعل في دول مثل بريطانيا، التي وضعت قواعد حكومية تجرّم مقاطعة المؤسسات الممولة حكوميًا لبضائع أو خدمات معينة. كما صادق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على سلسلة قوانين تضع مبادئ توجيهية تلزم المستثمرين الأميركيين بعدم التعاقد مع الشركات المقاطعة لإسرائيل.
إنجازات حملة المقاطعة ضد إسرائيل
عمومًا، يمكن القول إنّ المقاطعة الطوعية للأفراد حققت إنجازات مهمة على صعيد تقويض صورة إسرائيل في العالم، وعدم التطبيع مع فكرة التعامل الطبيعي مع دولة استعمار استيطاني.
لكن، على قدر أهمية هذه المنجزات، فإنّها تبقى متواضعة في قدرتها على الضغط على إسرائيل لوقف قتلها الجماعي للفلسطينيين بصورة ملحة وعاجلة، على وقع المجازر التي ترتكبها اليوم في غزة، والتي يبدو أنّ "تمويلها" لا يزال متوافرًا، بدعم غربي منقطع النظير.