تمرين تعبوي بالذخيرة السياسية الحية

{title}
أخبار الأردن -

مالك العثامنة

لا ينتبه كثيرون إلى آليات التشريع في البرلمان بغرفتيه ( النواب والأعيان). وبدءا من مشروع القانون الذي عادة ما تتقدم به الحكومة مرورا بتحويله إلى اللجنة المعنية في النواب ثم رفعه للتصويت العام في المجلس وبعد ذلك تحويله للأعيان من النواب ثم مروره باللجنة التشريعية المختصة والتصويت عليه وانتهاء برفعه إلى الملك للمصادقة عليه.

هذا موجز دستوري لسيرة حياة القانون – أي قانون- ينظم أمور حياة المواطنين وتفاصيلها في أي موضوع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل ذلك يتم تحت الدستور وضمن الحدود الدستورية، وهو أبو القوانين ولا قانون – أو شخص- يعلو عليه.

في المنعطفات الداخلية لسيرة حياة التشريعات، هناك مؤسسات تضبط العملية دستوريا، وتفسر الملتبس ضمن الدستور نفسه، وهناك أيضا رؤى مختلفة لأي تشريع وجماعات تكون ضده وجماعات مؤيدة له، كلا الجماعتين تبذل جهدا للضغط بالتأييد أو الرفض أو التعديل في بعض البنود، وهذه تسمى جماعات الضغط، وجماعات المصلحة، وهم موجودون في النقاشات ولديهم الأدوات لجمع التأييد أو الرفض حسب المصلحة من التشريع، كما ان لبعضهم القدرة على تحريك الرأي العام من خلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والرأي العام الأردني يملك حساسية مفرطة ومعبأة مسبقا على الحكومات – أي حكومات كانت- فيتم غالبا تثويره من قبل جماعات الضغط في حالات تحريكه ضد التشريعات التي تقف ضد مصالح تلك الجماعات.

كل ذلك، عملية شرعية وصحية وسليمة ما دامت لا تخالف القوانين والدستور، ولكل حقه في رفض أو تأييد قانون أو سياسة ما، لكن العملية تصبح منقوصة حين يكون الرأي العام غائبا عن التشريع نفسه، سواء في محتواه "وهو متوفر منشورا لكن لا أحد يقرأ" أو في آليات تشريعه التي تتعرض لعوامل الضغط والشد والجذب.

قبل أسابيع، شهدت "بقرار مني" تمرينا تعبويا بالذخيرة السياسية الحية لسيرة حياة تشريع مهم، تم إقراره قبل أيام، وبصراحة أدهشني الشد والجذب السياسي في كل العملية، الانفعالات والتشنجات العصبية والضغط بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، والضغوط ومقاومتها باحترافية سياسية، وما أدهشني أكثر أنني اطلعت من بعيد على كواليس كل ذلك وقد قاد رئيس الوزراء جانبا من المعركة مع فريقه الوزاري المرتبط بتشريع قانون حماية البيانات الشخصية، وهو قانون مهم وخطير وحيوي يتعلق بحماية بيانات الأفراد من التغول عليها وتحويلها إلى سلعة تجارية.

القانون تم إقراره بمعركة في مجلس الأعيان، حيث توقف القانون عند لجنة الخدمات التي لم تمرره بسهولة رغم كل الضغوط مصرة على مراجعة بنوده وتجويدها كما الاستماع إلى كل الأطراف وبياناتها بما فيها الحكومة وأصحاب المصالح من المعترضين او المتحفظين على القانون ( وهو ما أعاد هيبة سياسية مفقودة للبرلمان عبر أعيانه).

كانت معركة سياسية حقيقية تم إقرار القانون بخاتمتها بعد تجويده بما يرضي معظم الأطراف.

كانت عملية تشريعية خاضها رئيس لجنة الخدمات في مجلس الأعيان، وصمد فيها باستحقاق رئيس مجلس الأعيان بالوكالة في مواجهة سياسية رفيعة المستوى مع رئيس الحكومة وطاقم وزرائه المعنيين بالتشريع.

كانت معركة فلسفية في المبادئ بين حق حرية الحصول على المعلومة وحق حماية البيانات المتعلقة بالأفراد من التغول عليها واستباحتها.

تساؤلان خرجت بهما من مجمل ما شهدت وسمعت وشاهدت:

- لماذا لا نجد صيغة ما، تكون فيها العملية شفافة للعموم بما يسمح به القانون؟

- ماذا سيكون الحال في ظل وجود حياة حزبية قادمة ووشيكة؟ هل الأحزاب القادمة مؤهلة لخوض معارك التشريعات؟ وهل ستعمل جماعات الضغط والمصالح على "إعادة تموضع" وجودها في الأحزاب ومعها؟

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير