سباق حزبي نحو البرلمان لتشكيل الحكومة، المهمة الصعبة، كيف ومن سيفوز؟
كتب أ.د. محمد الفرجات
بحلول أيلول فلقد دخلنا بالربع الأخير من عام 2023، وخلال ما تبقى من هذا العام ولغاية أن تحل الانتخابات البرلمانية في العام 2024، فمن المفترض أن تستمر الأحزاب بعملها وتتمايز وتتبلور بشكل أكبر... وعليه فستظهر شخصيات حزبية مقنعة للجماهير، وتلمع أحزاب وتخبو أحزاب أخرى، وقد لا تبقى أدوات الخطاب والاعلام الحزبي هي الصلة الوحيدة مع الجماهير، بل أصبحت مستهلكة وغير جاذبة.
الشعب الذي عانى الكثير إقتصاديا وأمام فشل الحكومات والبرلمانات المتتالية بإحداث التنمية كما يجب، أصبح ناضجا سياسيا للحد الكافي الذي سيميز فيه بين الغث من السمين، وعليه فسيبتعد عن النسخ المكررة... (كما يفترض)، لتأتي بعد ذلك الانتخابات النيابية وفقا لقانون الانتخاب الذي تم تحديثه،،،
ستجري الانتخابات وفقا للأنظمة والقوانين وفي وقت يحدده الملك... وستتم في كل محافظات المملكة بالمدن والقرى والبوادي والأرياف والمخيمات...
ستتشكل في المجلس النيابي الجديد تكتلات برلمانية حزبية،
وستظهر أغلبية برلمانية حزبية قد تشكل الحكومة القادمة، أو على الأقل قد تأخذ نصيب الأسد في الوزارات ضمن هذه الحكومة... لتدار دفة أمور سلطتنا التنفيذية من خلال حزب/أحزاب، له/لها عقيدة وفكر وركائز سياسية، وتسند نفسها وطروحها وحلولها ضمن معطيات السلطة التشريعية (المجلس النيابي) الذي تسيطر عليه بالأغلبية كما أسلفنا.
سيكون هنالك أقلية برلمانية حزبية، ومنطقيا فسوف تضطر لتشيكل معارضة صحية؛ تتابع وتقيم وتقوم عمل الأغلبية البرلمانية التي شكلت الحكومة...
على كل الأحزاب إدراك صعوبة ما بعد الوصول للبرلمان وتشكيل الحكومة، حيث ستتسلم الحكومة الحزبية القادمة الكثير من الملفات المعقدة... بينما تتابع المعارضة الأداء، وذلك لضبط البوصلة، ونستعرض أمثلة عليها فيما يلي:
- ملفات سياسية
ملف القضية الفلسطينية والسلام والتعنت الإسرائيلي وعقلية التوسع
ملفات إقليمية/الوضع في سوريا والعراق ولبنان، تكتلات دولية سياسية إقتصادية مختلفة تظهر على الساحة تباعا وليست بعيدة عنا،
ملف آثار الأزمات العالمية والإقليمية والحروب
- ملفات تنموية إقتصادية إجتماعية:
ملف الدين العام الداخلي والخارجي وخدمة المديونية وإحتمال دخول ماراثون برنامج تصحيح إقتصادي جديد مع البنك الدولي، وأهمية تحقيق الموازنة الذكية، وإدارة الناتج القومي الاجمالي والميزان التجاري...
ملف إدارة النقد والمالية لضمان إستقرار الدينار...
ملف المياه والشح المائي والتحلية وخياراتها والبدائل المتاحة مؤقتا (موضوع مصيري)...
ملف المشاريع الكبرى والاستثمار كالمدينة الجديدة وتطوير وادي عربة والمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق والمدن التنموية والصناعية...
ملف الطاقة والمحروقات وأسعارها وأثرها على التنمية وبدائلها + ملف الثروات المعدنية والاستكشاف النفطي، والطاقة النووية...
ملف الفقر والبطالة (موضوع مصيري وحساس جدا)...
ملف الأمن الغذائي مقابل الشح المائي وتردي الانتاجية بسبب آثار التغير المناخي وعزوف المزارعين والفلاحين ومربي المواشي عن مهنتهم وهجرتهم للمدن بحثا عن العمل...
ملف الخدمات من صحة وتعليم وبقية الخدمات الحكومية/تحديات الكلف والجودة والشمولية والعصرنة...
ملف البحث العلمي التطبيقي والابتكار وأهمية توجيهه لخدمة الاقتصاد الوطني...
ملف تنمية وتطوير وتحديث قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة والأعمال والخدمات والنقل...
ملف البنى التحتية والشبكات بين الاستحداث والصيانة...
ملف الاسكان مقابل النمو السكاني المتزايد...
ملف التغير المناخي والتكيف مع آثاره + ملف إدارة الكوارث الطبيعية + حماية مصادر البيئة من التلوث + التحول للإقتصاد الأخضر + تحسين البصمة الكربونية الوطنية... وملف جفاف البحر الميت وتبعاته على الاقتصاد والبيئة...
ملف الحوكمة الإلكترونية
والرقمنة ومعاصرة العالم بالثورة الصناعية الرابعة والخامسة... بين الكلف والتحديات المختلفة...
ملف المشاريع التنموية الحدودية مثل مشروع نيوم والشراكات القادمة بهذا الخصوص + طرق النقل وسكك الحديد العابرة للقارات ضمن إتفاقيات إقليمية/دولية...
ملف التنمية الاجتماعية وشبكة الأمان المجتمعي من تأمين صحي وإعالة...
ملف الأمن الوطني الداخلي... وملف الأمن القومي وتحصين الدولة...
هنالك ملفات هامة جدا وستشكل ضغط كبير على عمل الحكومات القادمة وتشمل:
- ملف تمويل متطلبات النمو السكاني غير الطبيعي، والناتج عن موجات اللجوء، وما يقابل ذلك من نمو كبير بالطلب على الخدمات من صحة وتعليم ونقل وتوسع بالشبكات والبنى التحتية والفوقية، ونمو الطلب على المياه والطاقة وفرص العمل وكلف تتعلق بالأمن، وكلف بيئية وغيرها...
- ملف تمويل إنشاء بنى فوقية وتحتية وشبكات ومرافق وخدمات في المدن والقرى والبوادي والأرياف والمخيمات، ناتجة عن المد السكاني والتوسع بإستعمالات الأراضي...
- ملف تمويل صيانة أو ترميم أو إعادة إنشاء بنى تحتية وفوقية وشبكات ومرافق وأبنية قائمة، ستتعدى خلال العقد القادم العمر الإفتراضي أو التشغيلي وتتهالك، ( مثال الشوارع والجسور وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي ومحطات التنقية والأبنية العامة وغيرها)...
- ملف متابعة مخرجات التحديث السياسي والإقتصادي ما بين تطبيق إستراتيجيات (تحويلها إلى خطط) وتنفيذ خطط معدة مسبقا... ضمانا لتوجيهات الملك ليكون للحكومات القادمة خطة عابرة للحكومات لا تتوقف عند حكومة تذهب وحكومة تأتي... بل تستمر،،،
المطلوب خلال الفترة القادمة ولغاية الانتخابات تكثيف العمل الحزبي بين وضع برامج حزبية وتنفيذ الممكن منها ضمن عقائد الأحزاب المختلفة، وتمتين الداخل الحزبي في البيت الداخلي لكل حزب وضمن ما ورد في قانون الأحزاب الجديد، والاستعداد للمرحلة بجدية... وأن لا تنقلب الأحزاب على نفسها، أو تترهل أو يفتر الأداء...
على الحزب إقناع الشارع بحلوله وبرامجه للوصول للبرلمان (لأن هذه مسألة مصيرية للحزب ذاته ضمن قانون الأحزاب المحدث).
الحزب أو الأحزاب ذات الأغلبية البرلمانية إن شكلت الحكومة أو شاركت بتشكيلتها، فلن تكون مهمتها سهلة..، فالقادم صعب جدا وهو مسألة أمن قومي وبقاء وبكل ما تعني الكلمة من معنى...
هذا يضع المواطنين أمام جدية الأمر، سواءا بالإنضمام للحزب المناسب (لمن يرغب بالعمل الحزبي)، أو بممارسة العمل الحزبي، أو بصدق الاختيار عند صندوق الاقتراع... أو بمتابعة ومراقبة عمل الحكومات من خلال الحزب وعقيدته وبرامجه وكيفية تعاطيه مع المستجدات وضمن الآليات المتاحة له،،،
بالطبع فكل حزب له نظامه الداخلي وله برامجه، وله عقيدته (أي ركائز الحزب السياسية التي ينطلق منها)، وهذا سينعكس بلا شك على طريقة ومنهجية عمل وأداء ومستقبل الحكومة الحزبية؛ وفقا للحزب أو الأغلبية الحزبية التي ستشكل هذه الحكومة.
إنتخابات مجالس النقابات ومجالس البلديات ومجالس اللامركزية، وتشكيلات مجالس إدارات الشركات الحكومية... إلخ، ستنهج ذات النهج بشكل أو بآخر وتكون ذات بعد حزبي، هنا فالمحافظات يفترض أن تشهد التنمية على أسس غير تقليدية أيضا.
نستطيع القول اليوم بأننا سنودع حقبة آلية التشكيلات الوزارية التي سادت في مئوية الدولة الأولى، وأننا أمام آلية جديدة محدثة وعصرية... تتميز بديمقراطية أوسع بالاختيار والمشاركة، وبالمقابل فتتميز بالمسؤولية أكثر والمساءلة داخل الحزب، مع المتابعة من المعارضة والشارع معا.
نسعى جميعا لدولة حديثة على الرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي، وتعقد الوضع السياسي للإقليم المحيط وحتى العالم، دولة يبقى فيها جلالة الملك حاميا للدستور ومراقبا لأداء السلطات وتوازنها، وراسما لسياسات المملكة العليا.
أشجع كل الأحزاب في بيتها الداخلي وضمن قيادات لجانها ومجالسها، أن تبني سيناريوهات خاصة بها وغير معلنة، تفترض وفيما لو فازت بأغلبية أو كانت ضمن تكتلات أدت إلى أغلبية برلمانية؛ كيف ستدير دفة الملفات السابقة الذكر إن شكلت أو ساهمت بتشكيل حكومة قادمة... وأن تعاير حلولها بشفافية ومصداقية، لتتمكن من فرز شخوص الحزب الأكثر مناسبية للمعركة القادمة... وأيضا لتستعد لقادم صعب، الفشل فيه أصعب...