"عندما نصبح جميعاً قتلة"
رامي الخياط
هذه الكلمات كنت قد كتبتها ولم أنشرها منذ عامٍ وأسبوع !!!
كان ذلك عند مقتل الطالب سهل اثر طلقة "فرحٍ" إثر نتائج الثانوية العامة في العام الماضي …
وما أشبه الآن بالأمس … فاليوم أستبدل سهل بحمزة !!!!!!
"عندما نصبح جميعاً قتلة" …
رسالة الى من يهمه الأمر …
لن يشعر احدنا بشعور أُم حمزة …
و حمزة ان لم تعرفونه … هو عريس الجنوب و الشهيد بنيران عبثنا … هو ربيع العمر الذي لم يبدأ بالزهر ولم يغدو ثمر …
حمزة… قطفته يدُ المنون عنوة… مع انه ما زال فوق الغصن ينمو !!!
حمزة … ذلك الشاب الذي كان حلماً وحيداً لامه و ابيه … صار اليوم جثماناً … و قبراً تتلى فوقه آيات من الذكر الحكيم …
أليس فيكم حكيم … أليس فيكم راشدٌ او رشيد …
و عوداً على ذي بدء… دعوني أقرأ لكم مشهد خبر حول "مقتل عريس بعيار ناري" !!!!…
في اليوم الاول لسماع الخبر… سيحتمع الاهل و الاحبة من الاهل والجيران و الاصدقاء لزيارة اهل الميت و مواساتهم و كل مشاعر الحزن و الغضب على محياهم، ولسان حال الجميع انه يجب معاقبة القاتل حتى ولو كان بغير قصد …
وفي نفس اليوم والذي يليه … تجتاج منصات التواصل الاجتماعي موجاتٌ اخرى من الغضب، و الاستهجان … و الرفض لهذه السلوكيات و ينتشر السواد و صور المرحوم في بروفايلات الشعب تعبيراً عن رفض هذا السلوك المتخلف باطلاق العيارات النارية !!!
في اليوم الثالث … تأني عطوة عرمرمية من أهل "المتسبب " و قد استبدلت كلمة "..…." بالمتسبب لاعتبارات قانون الجرائم الالكترونية وحتى لا أصاب بنيرانها !!!!!!! يأتي كبار القوم على رأس عطوة اولها هنا…. وإخرها هناك …. و تنتشر دلال القهوة العربية ورائحة النخوة "الأصيلة" فوق الموائد !!!
في ذلك اليوم تلقى الكلمات و الحروف الابحدية الميتة … و يخرج المألوف عن اللامألوف …. و ينصهر الجميع في عواطف الدم و القربى و التسامح …
في المقابل … تجلس أم حمزة … أي تجلس ام الميت أو القتيل أو الشهيد … لا فارق في الوصف .. اذا كان الموصوف تحت التراب …. تجلس وحدها في الغرفة الباردة …. تلبس (يانس) الصلاة الأبيض… تبكي دموع الحسرة و تراقب المشهد من بعيد ….
أمُ شهيدِ العبث حمزة … او ما يعرف بقوانين العصر الحديث و حسب احداثيات العصر الحديث بأم القتيل … لا تهتم بكل هذة التشريفات و البروتوكولات العبثية …
انها تجلس في صومعة الصبر تراقب اهمالنا و تراقب عاداتنا البائسة … أم شهيد العبثية و اللامبالاة … تبحث بين ملابسه .. تشم قمصانه و وملابسه … فهذه فرشاة اسنانه … وهذه فاتيلاته البيضاء… وهذا هو فوتيك الكرامة لنشامى الأمن العام الذي كان يزين جسده الفتي… وهذا بسطاره المجبول بثرى الوطن الذي كان حمزةُ يحميه ولكنه لم يستطع حماية نفسه من عبث العادات المتخلفة … كان حمزة يخلعه كل يومٍ عند مدخل البيت … فللبيوت حرمات … لكن العابث انتهكها حد القتل …و حد هتك الروح !!!!
المهم في المشهد … ان الجاهة او العطوة ما زالت هناك … ما زالت تسيطر على المشهد … وما زال كبار القوم يحاولون "لملمة" مشهد الدم !!!!
دلال القهوة السمراء … و رائحتها ما زلالت تسيطر على أرضية حمام العريس الحمراء !!!!…
وهنا او هناك … و عبر خطوط الهاتف أو إسفلت الطرق … الجميع حاضرون في المشهد … كلهم يتوسطون و يتلون أمهات الاشعار و المعلقات و يرتلون آيات الفرقان في التسامح و المغفرة !!!! …
ويغدو عنوان المرحلة… العفو عند المقدرة ..
تتلى آيات من الذكر الحكيم و كلمات و أحاديث من الدين الحنيف … حيث يتم اقحامه في عاداتنا عنوةً لتبرئة …. قاتل نفسٍ بغير ذي حق !!!
الجميع ملائكة … و الجميع متسامحون … والجميع سينسى بعد أيامٍ ثلاث … و الحياة جميلة … إلا أم ال ق ت ي ل… أعني ام الشهيد !!
المهم … النتيجة …. حيث ان "العابث" لم يقتله عن قصد… ولا عن سبق الاصرار و الترصد، كما في كل الحالات السابقة !!!!!! …
و دم حمزة و سهل …. صار هيناً و سهل …
والموضوع فنجان قهوة … وبوسة لحى … !!!!
أما أم حمزة … فلا زالت ولا فتأت حزينة
والنتيجة ان العريس قد رحل وان العابث بمسدسه قد تاب !!! و عدنا جميعاً أحباب !!!
وأن كل القوانين والتشريعات و الانظمة … تسقط أمام عاداتنا ... فهي أغلى من دموع أم حمزة وأبيه …
النتيجة أن أم حمزة كانت تحضر نفسها لزفاف عريسها الشاب الوحيد و تحفظ كمّاً من الزغاريد لتطلقها في سماء الوطن فرحاً بالعريس !!!
وأن ألا حمزة كان يتفقد بدلته السوداء الجديدة التي اشتراها منذ شهور وشهور وحفظها في خزانته لمناسبة حفل زفاف ابنه البكر الوحيد… فلبسها في مواراة جثمانه !!!!!
النتيجة أن الدعوة لحفل الزفاف صارت لقراءة الفاتحة … مغمسة برائحة الدم في بلادنا التي غدا فيها صوت الرصاص و رائحة الجميد أعلى من صوت الانسانية !!!!
و غدا ثمن ابنائها أرخص من سعر طلقة !!!
اليوم حمزة …. وأمس سهل وغيرهما المئات… وغداً ألف حمزة !!! ما دام عقابنا ينتهي دوماً بفنجان قهوة و ..صحن كنافة ناعمة فوق أرائك جرائمنا الخشنة !!! ..
اقول لكم …. إرحموا اوطانكم …. اوقفوا عبثكم …. اقتلوا أنانيتكم …
و تذكروا …. تذكروا …. و اعلموا….
أن من أمن العقوبة اساء الأدب ….. لا بل وقتل …
سنبقى نراوح مكاننا … وستبقى هذه العبثية ان لم يتم اتخاذ اجراءات رادعة حقيقية مطبقة لكل من يطلق رصاصةً في أي مناسبة..
وأنا أقترح من هنا أن يتم اطلاق ما يسمى ب (القائمة السوداء) على مستوى الوطن بحيث يتم نشر اسم وصورة كل من يتم ضبطه يطلق الرصاص (حتى ولو لم يصب أحداً او يقتل) في اي مناسبة او مكان في الصحف الرسمية , مع تغليظ العقوبة المالية بحيث لا تقل عن عشرة آلاف دينار لكل من يطلق ولو رصاصةً في الهواء في أي مناسبةٍ كانت، مع السجن الفعلي لمطلق النار ….
أما أنت يا أم حمزة … ويا أبا حمزة … فلكما الله ..
لهم القهوة و العطوات و المجاملات ودلال القهوة … ولكم الدم و الذكريات و الالم …
جلالة الملك قالها منذ سنوات …. انْ لا محاباة لمطلقي الرصاص … والحكومة تذيع ليل نهار و تتوعد مطلقي العيارات النارية، لكن العبثية و الاهمال يعشش فينا للأسف، حتى غدا الشعب عدو نفسه باهماله و طيشه …
ارحمونا ايها الشعب، ارحموا انفسكم، و لنطبق القانون على الجميع … و كفانا محاباة لمطلقي النار سواء أصابوا أو قتلوا بنيرانهم ام لم يقتلوا…
كفانا قتلاً … كفانا قهراً ..
كفى !!!