تخفيض المقاعد الجامعية.. ضربة جديدة للتعليم

{title}
أخبار الأردن -

محمود الخطاطبة

مرة جديدة «يغوصون» في عملية التدمير المُمنهج للتعليم، فبعد أن تم توجيه ضربة شبه قاضية لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي)، ها هي وزارة التعليم والعالي والبحث العلمي، تمضي قدمًا في ضرب الجامعات الرسمية (التعليم العالي)، من خلال تخفيض عدد المقاعد الجامعية، خصوصًا مقاعد الطب وطب الأسنان.

فقد أقدمت هذه الوزارة، حين غفلة، على اتخاذ قرار، جاء متأخرًا نوعًا ما، يقضي بتقليص عدد المقاعد المخصصة لطلبة الجامعات، وبنسبة كبيرة، بلغت نحو 23.8 بالمائة بالنسبة للمقاعد بشكل عام، إذ تم قبول ما يقرب من الـ42 ألف طالب وطالبة، بينما تُلمح «التعليم العالي» إلى قبول حوالي 32 ألف فقط العام الحالي.

المصيبة الكبرى كانت فيما يتعلق بتلك المقاعد المخصصة لتخصصي الطب وطب الأسنان، فقد بلغت نسبة الانخفاض فيها 70.2 بالمائة، إذ تم العام الحالي تخصيص 640 مقعدًا، في حين كان مُخصصًا العام الماضي 2150 مقعدًا، وفي حال تم عدم احتساب مقاعد «الاستثناءات»، والبالغة 200 مقعد، سترتفع النسبة إلى 79.5 بالمائة.

دعونا في البداية، نعترف بأن الشعب الأردني «مهووس» بما يُعرف بتدرس أبنائه في أحد التخصصات الطبية أو الهندسية.. وللإنصاف يتوجب القول بأن ذلك حق لهم، فبعد 12 عامًا من الدراسة والمُثابرة والاجتهاد وسهر الليالي، يكون من أقل حقوق الطالب الذي حقق علامة مرتفعة بامتحان «التوجيهي»، أن يدرس تخصصًا يوازي مُعدله، فهذا أقل المطلوب بعد تعب متواصل امتد لأكثر من عقد من الزمان.

قرار الوزارة، الذي جاء بدون مُقدمات، وكأنه يضع العربة أمام الحصان، أو يُعتبر حجر عثرة آخر أمام طلبة العلم، وبالتحديد المتفوقين منهم، ويُلحق بهم أضرارًا، ويهضم حقوقهم، فضلًا عن أنه يضرب عملية «مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص» في مقتل.. والغريب أن «التعليم العالي» لم تلتزم بقرار اتخذته سابقًا يقضي بتخفيض أعداد المقبولين في التخصصات الطبية بنسبة 20 بالمائة فقط.

الموضوع، لا يحتاج إلى كثير من التحليل والتمحيص أو حتى الذكاء، ليعرف القارئ بأن المُراد من ذلك القرار، هو «تغذية» البرنامجين الموازي والدولي، واللذين يدران الكثير من الأموال على الجامعات.. إذ كان الأولى بـ»التعليم العالي» أن تذهب إلى إلغاء البرنامجين، أو على الأقل تقليص أعداد المقبولين فيهما، وإلا فإن عكس ذلك هو تكريس التعليم بطبقة معينة فقط، هي من تملك المال، أو أولئك الذين يحملون جنسية أُخرى.

بجرة قلم غير مدروسة، يسحق ذلك القرار آمال وأحلام نحو 1500 أُسرة، حقق أبناؤها نتائج مرتفعة بامتحان «التوجيهي»، أو على الأقل يُساهم في تحطيمها.. فهل تستطيع الوزارة الإجابة عن سؤال: كم شخص من أولئك يستطيعون الذهاب إلى التعليم «الموازي»، أو «تهجير» فلذات أكبادهم إلى بلاد الغرب، من أجل إكمال تعليمهم الجامعي.

وإذا قال قائل، بأن القرار قد جاء إثر مُطالبات لنقابة الأطباء بتخفيض الأعداد، فالرد عليه سهل جدًا، يتمثل بأنه متى كانت الحكومة تلتفت إلى مُطالبات ودعوات نقابات أو أحزاب أو مؤسسات مجتمع مدني، أو تلك الشعبية، حتى وإن تخللها تنفيذ اعتصامات أو وقفات.

يبدو أنه بقي خيارًا واحدًا فقط، لمعرفة حيثيات ومآرب وأهداف ذلك القرار، والذي يتمثل بالاصطفاف، وكالعادة، إلى جانب رأس المال، فالجهات الوحيدة المستفيدة من قرار تخفيض أعداد المقبولين في الجامعات بشكل عام، هم أصحاب رأس المال فقط، أو إكمال عملية التدمير التام لمؤسسات الدولة، وعلى رأسها التعليم والصحة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير