كلام عن الطبقة السياسية

{title}
أخبار الأردن -

ماهر أبو طير

سوف أتحدث هنا بصراحة حول عرفية النخب المنضمة متأخرا إلى الدولة بعد عداء طويل مع ذات الدولة، وعرفية النخب المحسوبة تاريخيا على المعارضة، فهما للأسف أكثر عرفية من النخب التقليدية المحسوبة تاريخيا على الدولة، وهناك أدلة كثيرة تثبت هذا الاستخلاص.

مناسبة الكلام عدة حوادث وقعت مؤخرا، وليس هنا المجال لذكرها أو سرد تفاصيلها، لكن الخلاصات واضحة على الأقل بالنسبة لكثيرين في هذه البلاد، ولمن يحلل المشهد أيضا، وعبر الاستخلاص السابق نذهب بعيدا إلى الطبقة السياسية في الأردن ومواصفاتها.

النخب التقليدية المحسوبة على الدولة، أو التي أنتجتها الدولة في حاضناتها على مدى عقود، تتصف بالصبر والتسامح بشكل كبير، كونها تنتمي في العموم إلى بنية ثقافية مرتبطة بتقاليد الدولة وعدم استعمال السلطة والتهديد عند أي مشكلة تقع، بل إن هؤلاء على كونهم تقليديين وفقا للتصنيفات الاجتماعية والسياسية، إلا أنهم يضعون في حساباتهم الجانب الاجتماعي، وأهمية العفو، ويراعون البنية التاريخية القائمة على التسامح ومغفرة الزلات.

بالمقابل فإن النوع الجديد من النخب التي كانت تعادي الدولة، وتم استقطابها متأخرا، وهاجرت لاعتبارات مختلفة إلى اليمين الرسمي، ولم تعد معادية، فهي عرفية، لعدة اعتبارات أولها أنها لم تعبر عملية بناء للشخصية السياسية التقليدية بشكل متدرج، ولم تكتسب ثقافة في إدارة الوجود من خلال عقود طويلة، فوق أن بعض هؤلاء مصاب بالوسواس والشك لكونهم من المؤلفة قلوبهم المصابين بعقدة امتحان نواياهم، والذين يحاولون إثبات أحقيتهم في الدخول إلى نادي السلطة، فيبدعون في غضبهم، وفي التشدد، وعدم التسامح، وادعاء الوطنية بشكل مضاعف وقائم على المبالغة في حالات كثيرة، ولا يمكن لأي شخص يقع في خطأ مع أحد هؤلاء أن ينجو من فعلته، لأن تركيبة هؤلاء في الأساس شخصية وفردية.

نخب المعارضة في الأردن مع تقديري لذواتهم أيضا يطالبون مثلا بالحريات، لكنهم لا يحتملونها إذا مورست نقدا بحقهم، وهم أيضا تتبدى فيهم أحيانا وفي بعض شخصياتهم جوانب عرفية تجعلك تسأل عما سيفعلونه إذا حصلوا على السلطة، وهل سيطبقون قواعد مخففة على خصومهم، أم سيكونون أكثر قسوة اليوم ممن ينتقدونهم، ويتهمونهم بالرجعية والتعسف، وتوظيف السلطة لاعتبارات تصفية الحسابات أو الانتقام من الآخرين.

لم يعد لدينا حاليا في الأردن ترسيمات واضحة تفصيلية، لمعنى النخبة الموالية تاريخيا للدولة، أو النخبة المنضمة متأخرا إلى الدولة، أو النخبة المعارضة للدولة ومؤسساتها، والملاحظات السابقة على عموميتها تأتي في سياقات قراءة سطح المشهد، لكن لا يمكن اليوم أن يقال إن هناك شخصية سياسية محددة لكل تعريف، فقد ينام المرء مواليا للدولة، ويصحو معارضا، وقد يغفو معارضا ويصحو مواليا، وقد يضع قدما هنا، وقدما هناك من باب الاحتياط، وبسبب هذه التشوهات يلمس كثيرون منا نقل الصفات الجينية من معسكر إلى معسكر، فالذي كان مثلا في المعارضة وانتقل للدولة، يحمل معه كل صفات الغضب والشك وغير ذلك من صفات تجعله يدير موقعه الموالي، بروحية المعارض المخفية، كما أن عقدة الانتقال من معاداة الدولة إلى صفوفها تولد سلوكا غير حميد يتسم بعدم الاستقرار ومحاولة إثبات الأحقية بالمنفعة، وبغياب اللياقات التقليدية التي قد نجدها عند من أنتجتهم الدولة على مدى عقود بشكل سلس وطبيعي ومتدرج.

هذه الفروقات باتت واضحة جدا، وهذا يعني أن الشخصية السياسية المتماسكة بمواصفات ثابتة غائبة بكل ما تعنيه الكلمة، إذ إن معادلات المصلحة، والموقف، والظرف الدائم والمؤقت، والأجندات الشخصية، تحكم عمليات توليد الأسماء والنخب في المعسكرات الثلاثة اليوم، وارتداد عمليات التوليد على مجمل المشهد.

ما نحتاجه في هذه البلاد إعادة بناء الطبقة السياسية، وتعريفاتها وسلوكياتها، وهذا يشمل الكل، بدلا من هذه الحالة التي نعبرها، والتي تؤشر أيضا على حالة فوضى غير خلاقة أبدا.

اختبار الأصناف السياسية يكون دقيقا فقط عند تبدل الأدوار، وعندها سنعرف من هو عرفي إلى الأبد، ومن هو ديمقراطي إلى الأبد، ومن يلعب على كل الحبال.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير