نماذج النمو الاقتصادي في الإقليم

{title}
أخبار الأردن -

 

د. محمد حسين المومني

تتسابق دول الإقليم على تحقيق معدلات نمو مرتفعة والنهوض باقتصاداتها، إدراكا منها أن هذه هي القوة الحقيقية المستدامة، وأن وجود الأخطار الأمنية بالشرق الأوسط على سوئها وحقيقتها التي لا يستطيع أحد إنكارها، إلا أن الخطر الأكبر هو من الداخل الذي تسببه المعاناة الاقتصادية للشعوب، ما ينذر بقلاقل وثورات وعدم استقرار وربما انهيار أنظمة.

في معرض ذاك التسابق، يمكن رصد عدة نماذج تتبناها الدول للنهوض بالاقتصاد: ثمة النموذج الخليجي الذي يتميز بوفرة من المال تستطيع أن تحفز معدلات النمو، وأيضا الإنفاق على البنى التحتية والخدمات العامة، ولكن حتى هذا النموذج يحاول الخروج من الريعية وتنويع محركات الاقتصاد وبناء صناعات وخدمات تصديرية ترفد الاقتصاد بالوظائف وتحرك الأعمال المساندة.

ثمة نموذج آخر وهو الإنفاق على البنى التحتية وهذا من شأنه أن يحرك الاقتصاد ويزيد معدلات النمو، والنموذج المشار إليه هنا هو المصري، حيث التوسع الكبير بالإنفاق على البنى التحتية، ولكن هذا أدى لزيادة كبيرة في المديونية والمعاناة في سدادها وعدم القدرة على الإنفاق التشغيلي المستمر على البنى التحتية التي تم إنشاؤها. نموذج ثالث يبحث عن الميزة النسبية في الاقتصاد ليحاول تعظيم فائدتها، مركّزا على استقرار السياسات الاقتصادية الكلية التي من شأنها أن تعطي نظرة ثابتة ومستقرة عن الاقتصاد، والأردن يمثل ذلك النموذج.

ثمة أيضا نموذج التخبط الاقتصادي وهو ما يبدو أن لبنان والعراق انزلقا له، بسبب عدم كفاءة التخطيط وتسييسه، وعدم التنفيذ بالصورة التي تحفظ للاقتصاد أسسه وأركان عمله الأساسية، فترى هذه الاقتصادات وقد غرقت في مشاكل لا حصر لها.

ثمة نموذج أخير غريب نسبيا وهو الإسرائيلي استطاع أن يبني اقتصادا قويا بسبب الانفتاح العالمي عليه وقدرته الوصول للأسواق العالمية بسهولة ما جعله يستقطب صناعات ذات قيمة مضافة عالية عززت من القدرات التصديرية.

هذه النماذج تراقب ويمحّص في نجاعتها وجدواها، ولكن بالمحصلة لا أحد يستطيع أن يتجاهل أن الشرق الأوسط ومعاناته الاقتصادية ما زالت ظاهرة حاضرة تشكل البيئة المحفزة للتطرف واللااستقرار.

فقط انفتاح اقتصادي شامل في الشرق الأوسط والتكاملية بين عناصر الإنتاج المختلفة هو الأمر الذي من شأنه ان يحقق نموا اقتصاديا يعود بالخير على الجميع.

ما زلنا في الشرق الأوسط نعيش في مرحلة شبيهة بمرحلة أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية، حيث الاحتدام الكبير والتنافس الأناني الذي لا يعترف بالتكامل بين الاقتصادات. 

حروب اقتصادية أدت لحروب حقيقية بين الدول بسبب إغفال ذلك، وفقط عندما أدركت أوروبا ضرورة وأحقية التكامل بين الاقتصاد، وتم إنشاء السوق الأوروبية المشتركة التي جعلت العافية الاقتصادية للدول مصلحة متبادلة، فقط عندما حدث ذلك، عمّ الخير والرفاه والاستقرار، واستفاد الجميع من هذا الخير وليس دولة على حساب أخرى. الشرق الأوسط ما يزال بعيدا عن هكذا تصور وعن أي مستوى من مستويات التكاملية والانفتاح، مع كل أسف، رغم أنه الدواء الشافي للنمو والازدهار وتحقيق بيئة محفزة للاستقرار.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير