عوامل التجوية السياسية وتعريتها

{title}
أخبار الأردن -

 

مالك العثامنة

بعد انتخابات عام 1990 التي باغتت الجميع بعد عودة مفاجئة للحياة الديمقراطية، نشأت على خلفية الانتخابات النيابية وازدهرت مهن ووظائف ونشأت ظواهر لم تكن موجودة من قبل.

في المهن: ازدهرت موسميا أعمال الخطاطين والمطابع ومحال الحلويات والمطاعم ومنتجي المياه الصحية "حجم الكؤوس الصغيرة" وكل ما يمكن أن يقدم خطوط الدعم اللوجستي لمقرات المرشحين.

وازدهرت أيضا مهنة "غير مفهومة وملتبسة" اسمها المستشارون الصحفيون، والتي تحولت مع عوامل التجربة "والتجوية السياسية وتعريتها"،  إلى مهنة نصب واحتيال متفاوتة في مخرجاتها بين مواد محشوة بمصطلحات سياسية ثقيلة للترويج لمرشح ما يدفع جيدا، أو تلميحات مخفية حد الوضوح من المستشار الصحفي ما غيره بأن يكون قناة "التوصيل" مع الجماعة "ما غيرها"!!

سوق مزدهر زاد انتعاشا بعد قوانين الصوت الواحد وموسمه باب رزق للجميع، وفيه نشأ ما تم تسميته بالمال السياسي، وهو اللفظ الأكثر تهذيبا لعملية شراء الأصوات إما بالمال أو الهدايا العينية أو بوعود التوظيف في القطاع العام.

هذا الازدهار كان على علاقة عكسية مع تطور الدولة ومؤسساتها وقوتها، فضمرت بقدر ذلك الازدهار الموسمي.

حسنا..

نحن الآن أمام تجربة جديدة جدا، بدأت فعليا بعد إقرار قانوني الانتخابات والأحزاب، وتدشنت بقانون جرائم إلكترونية مثير للدهشة والصدمة سيجعل مجمل العملية الانتخابية شاقة على المرشحين والأحزاب.

علينا أن نتخيل المهن التي ستصمد، والتي ستزدهر أكثر أو التي ستنشأ بولادات جديدة مذهلة على قارعة المواسم الانتخابية، أما مهنة المستشارين، فلنا أن نتصور مع حياة حزبية قادمة بالتدريج، إدراجها ضمن الأحزاب نفسها بدوائر إعلامية "محترفة أو غير محترفة لا يهم" جزء من مؤسسة الحزب، وهذا تطور إيجابي يجعل العمل مؤسسيا قابلا للتطور " وذلك يعتمد على عوامل التجوية السياسية وتعريتها طبعا".

في المال السياسي، فإن تصوري الشخصي مفاده باختصار أنه سيكون شرعيا بالضرورة، وسيتم تنظيم قوانين وتعليمات لتنظيمه ضمن رؤية تمويل الأحزاب وفتح ذلك التمويل يجب أن يكون مؤطرا بقوانين وأنظمة، فالأحزاب ستبحث عن تمويل، وهذا يجعلها منطقيا غير قادرة على استقطاب الأصوات، إلا ببرامج انتخابية حقيقية توفر لهم آمالا بفرص حياة أكثر عدالة، والوظائف في القطاع العام أصلا انتهت وهذا ما تعلنه السلطة مؤخرا وتكرارا.

بالضرورة، سيكون هناك تنظيم للتمويل الحزبي في الانتخابات، مما يتطلب قوانينا وتشريعات ستنتجها التجربة الحقيقية وهو ما سيجعل تلك التجربة على مفترق طرق مهم فيما يلي ذلك، إما أن تكون الأحزاب مؤسسات تحمل برامج وتحصل على تمويل عادل، أو يتدخل رأس المال ويجد طريقه للسيطرة فيكون هو عامل "التجوية السياسية وتعريتها " الوحيد في المستقبل.

نلمح اليوم، مع ما نسمع ونقرأ ونشاهد في الجلسات والحكايات التي تحملها الصالونات ملامح من ذلك "المال السياسي" الذي يتم ضخه في بعض الولادات الحزبية الجديدة، والعدم الذي تعاني منه ولادات أخرى لا تجد حتى خداجا يعطيها ما يكفي من أكسجين.

الهندسة الحزبية حتى الآن تتلمس طريقها، وهذا طبيعي، لكن الدولة تحتاج عقلا أكثر عمقا لقراءات أكثر تقدما ولن تكون بعيدة نسبيا.

بصراحة، ما دام القطار قد انطلق وبسرعة مباغتة، فهناك حاجة لحوار عاقل ومتخصص أكثر عمقا وحفرا في القادم لبناء تصورات تلك الحياة الحزبية، لعل وعسى تكون محصنة من أي عوامل تجوية سياسية وتعريتها.

والحساب على الموسم..كما العادة.

 
تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير