أقساط القروض مجددا
شهدت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، مؤخرا، جدلا محتدما حول موضوع قديم جديد، وهو تزايد المطالب الشعبية والنيابية بقيام البنوك بتأجيل أقساط القروض على المواطنين وهم يتهيأون لدخول شهر رمضان الكريم ومن بعده عيد الفطر، وذلك من باب التخفيف من وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة وتحريك عجلة الأسواق، والتي تعاني من تدني القدرة الشرائية ومعدلات تضخم، وما ينتج عنها من كساد في حركة البيع نتيجة نقص السيولة بين أيدي الناس.
وفي حين يرى كثيرون، ومنهم العديد من النواب ومن يديرون القطاعات التجارية والصناعية والخدمية، أهمية قيام البنوك بهذه الخطوة، يبدو أن القطاع البنكي ما يزال مترددا ومقاوما للأمر، كون كلفته قد تصل إلى ما يقرب من 200 إلى 250 مليون دينار شهريا، وكون العديد من البنوك قد ضاقت ذرعا كونها أضحت ملجأ في عيون الناس للتخفيف من صعوبات المعيشة.
تأجيل أقساط القروض حدث للمرة الأولى وتكرر مرات عدة بفعل تداعيات جائحة كورونا، وكان وقتها أداة فاعلة في التخفيف على المواطنين، الذين تعرض بعضهم إلى اقتطاعات كبيرة على رواتبهم أو خسارة البعض لأعمالهم.
يبدو أن الأمر مرشح للتصعيد، خصوصا مع مطالبات لبعض النواب أن تقوم الحكومة بتفعيل أوامر الدفاع لإلزام البنوك بتأجيل أقساط القروض عن شهر رمضان المبارك والعيد.
الحق أن القرار بيد البنوك، لكن عدم التأجيل قد يؤثر سلبا على صورتها في أذهان الناس، ممن رتبوا أمورهم المالية على أمل تأجيل أقساط القروض. وكان من الأولوية الإعلان عن نية البنوك عدم التأجيل منذ أشهر، وعدم تركه حتى اللحظة في ضبابية، خصوصا مع وجود ما يزيد على مليون مقترض من الأفراد في المملكة.
ليس هناك مصلحة لأحد في تشويش العلاقة بين البنوك والمقترضين، لكن الأمر برمته بحاجة إلى العقلانية والحكمة في الطرح والتفاعل، وهذا يقتضي من البنوك الوصول إلى حل وسط، بمعنى، وهذا من باب الاجتهاد الاجتماعي وليس الاقتصادي، أن تعلن عن تأجيل أقساط القروض للمرة الأخيرة والأخيرة فقط، تماشيا مع مسؤولياتها الاجتماعية، على أن يكون الأمر واضحا بأن لا عودة للقرار خلال الأشهر أو السنوات المقبلة تحت أي مسوغات.
وبهذا تكون البنوك قد توافقت مع التطلعات الشعبية والنيابية، لكنها حفظت مصالحها مستقبلا بألا يتكرر الأمر، وهذا حق من يدير الأمور على أسس تجارية، والبنوك في النهاية ملك خاص للمستثمرين وحملة الأسهم فيها ويجب احترام ذلك، وعدم نقل مشاكل القطاع العام إلى القطاع الخاص.
يدرك الجميع صعوبة الظروف الاقتصادية في العالم أجمع، والأردن ليس بمعزل، وهذا يتطلب فعلا اجتراح حلول اقتصادية، يكون جذب الاستثمار لتوليد فرص العمل أساسها. المهمة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة إذا ما عمل الجميع نحو تلك الغاية. وفي النهاية، فالقطاع البنكي القوي أساس في جذب الاستثمار، وعلينا جميعا العمل لضمان ديمومته القوية، خصوصا مع أخبار تعثر عدد من البنوك في الدول الاقتصادية الكبرى في العالم، ومنها الولايات المتحدة وقد تلحقها أوروبا. البنوك هي شريان الحياة الاقتصادية، وقد بدأت تضطرب عالميا، وقد يكون المخفي أعظم.