شتان بين استثمار ..واستثمار
حسين الرّواشدة
ما أقصده هو بعض الذين نزلوا على الاستثمار بمظلة "اكسب واهرب"، أو الآخرين الذين فتحوا دكاكين خدمات لتصريف ما لديهم من بضائع ، لدينا منها ما يكفي ويزيد ، ثم اعتبروا بلدنا محطة مؤقته لاستثماراتهم ، هؤلاء الذين لم يترددوا - كلما دقّ عليهم القانون أية مخالفة - عن تهديدنا بتسريح العمالة ، أو بالخروج إلى بلدان أخرى ، يمثلون وجه الاستثمار المغشوش ، الذي لا نحتاجه ، ولا نريد أن نعرفه.
شتان ،إذا ً ،بين استثمار يتوعد ويهدد بالهروب ، أو يخرج من "بالوعات" الفساد ، وبين استثمار محترم نظيف ، ينجز وينتج ويضيف ، الصنف الثاني هو ما نبحث عنه ،ونرحب به ، ونُشّرع من أجل استقطابه -كما تفعل كل دول العالم - ما يلزم من قوانين وأنظمة ، فنحن فعلا بحاجة إليه في كل وقت ، وفي هذا الوقت بالذات ، وهو موجود ، وإن كان ما زال شحيحا ومترددا احيانا ، لكن أعتقد انه سيأتي ، إذا ما تصرفت إدارات الدولة مع اصحابه من المستثمرين الجادين ، بمنطق العدالة والشفافية ، ومصلحة البلد أولا.
لدي ّ، ولدى القارئ الكريم أيضا، ما يكفي من أمثلة لنمط الاستثمار الذي يتنمر على القانون ، ويوزع إهاناته على المجتمع و إدارات الدولة ، ويتجبّر على أبنائنا الذين يعملون في خدمته ، ثم يحاول أن يقايض بين وجوده واستمراره، وبين صرف النظر عن تجاوزاته ، حتى لو كانت كبيرة ، حالة "الاستقواء "هذه وجدت من يغذيها في سياق البزنس الإعلامي ، أو بسبب الظروف الاقتصادية التي نمر بها ، وخاصة تصاعد أعداد العاطلين عن العمل ، وأغرت، للأسف ، بعض تجار الاستثمار بمحاولة امساكنا من اليد التي توجعنا ، والتلويح بالإساءة لسمعتنا الاستثمارية ، وهذه الظاهرة يجب أن تتوقف ، وأن تُواجه بالقوانين الحازمة ، لا بتطييب الخواطر.
قصة بلدنا مع الاستثمار تبدو غريبة ، وأحيانا مريبة وموجعة ، وفيها من الألغاز ما نعرفه وما لا نعرفه، البيروقراطية الإدارية واحدة من المعوقات ، اغواءات الفساد وشروطه ومصائده إعاقة ثانية ، ومن المفارقات أننا ندفع ضريبة فشل الاستثمار من جيوبنا ومن الخزينة ، مشروع العطارات للصخر الزيتي- مثلا - تحول إلى كابوس ، حيث اضطررت الحكومة العام الماضي لدفع( 200) مليون دينار أتعاب تحكيم للخلاص منه (تصور!)، بعض النخب في المجتمع تشكل ، احيانا ، إعاقة ثالثة ، حين تدرج كل مشروع استثماري قادم في دائرة الفساد ، وتشيّعه بتهمة بيع أصول البلد ، تشريعات ومرجعيات الاستثمار المتعددة والمعقدة شكلت ، أيضا ، عقبه بوجوه المستثمرين ، كل ذلك أرجو أن نتجاوزه في المرحلة القادمة .
باختصار ، استقامة معادلة الاستثمار في بلدنا تحتاج ، أولا ، لاستقطاب رأس المال الوطني ، الثروة التي يمتلكها بعض الأردنيين بالداخل والخارج ،وهي بالمليارات ، تستطيع أن تحرّك اقتصاد بلدنا وتنعشه، لو وجدت من يفتح لها الابواب المشروعة ، ويحميها من العاديات (!)، تحتاج ،ثانيا، لانتصاب موازين العدالة والقانون ، بحيث لا يتنمر الاستثمار علينا ، ولا تستفزه أيضا إداراتنا العامة ، بما فيها من بيروقراطية، تحتاج ،ثالثا ، إلى بيئات سياسية واقتصادية مستقرة ومشجعة ، و مجتمع نابض بالحيوية ، وإلى مشروعات انتاجية كبرى ، تفرز من البلد أفضل ما لديه من موارد، ومن الأردنيين أجود ما لديهم من كفاءات وابداعات، وتعود على الاطراف كلها بالخير والنمو والازدهار.