المسيح في قلوبنا
سائد كراجة
استخدام الفضاء العام محكوم بالقانون، وبالقانون وحده، وليس لأحد أن يطغى على هذا الفضاء لا بدعوى الأكثرية ولا بدعوى الأقلية، في الدولة المدنية المعاصرة الأغلبية المعتبرة هي الأغلبية الموجودة في البرلمان والتي تشرع القانون الذي يطبق على الناس بحياد ومساواة بغض النظر عن معتقداتهم وإلا ما نفع الانتخابات والأحزاب والبرلمان؟!
لهذا فإن الأصل في تقرير وضع التماثيل أو اللوحات أو الرموز الشخصية والدينية في الفضاء العام من عدمه مرهون بالنص القانوني واستخدام القانون وليس خاضعا لمشاعر الناس أو آرائهم، وبعكس ذلك تدب الفوضى، لأنك ستجد دائما شخصا ما يمكن أن تتأذى مشاعره من مظهر أو شكل أو رمز أو لباس شخص آخر أو طريقة كلامه أو رمز يلبسه! ولهذا نقف مع مسلمي أوروبا في حقهم الذي قرره قانونهم هناك بإبراز رموزهم العقدية والدينية من حجاب وجامع وكتاب سماوي في الفضاء العام.
هناك فرق بين التمثال والصنم، الصنم تمثال يعتقد نَاحِته أنه رب يعبد بذاته ،-والعياذ بالله- ، أما التمثال فهو رمز قد يكون له قيمة جمالية أو تاريخية أو دينية وبهذا المعنى استخدمت جميع الديانات « أيقونات أو أشياء» أضفت عليها رمزية وقدسية، ولكن الديانات الثلاث أجمعت على أن أي رمز تستعمله ليس وثنا أو ربا بحد ذاته، ومن الطوائف المسيحية من ينكر استخدام التماثيل والنصب، والمسلمون لا يعبدون الحجر الأسود، فالديانات السماوية كلها كانت انقلابا على الوثنية وهي عبادة ذات الصنم والاعتقاد بأنه يحيي ويميت، هذا الانقلاب تمثل في عقيدة التوحيد التي اتفقت عليها جميع الديانات السماوية ولم أسمع ولم أعرف واحدا من أتباع هذه الديانات يقول بغير التوحيد فجميعها تعتقد بربنا الواحد أجمعين، وأن أي تنويعات عقدية في هذا الفهم وإن كانت محل نقاش وخلاف في داخل الديانات السماوية وبينها وبين بعضها الآخر إلا أنها تقول بعبادة الله الواحد، وبوضوح أكثر فإنها جميعها ترفض الوثنية باعتبارها عبادة الأصنام!
ولأن لاهوت الديانات وفقهها متشعب ومعقد ومتداخل وخلافي بذاته لأنه تفسير أو فهم لوحي أو نص إلهي، فإن الدولة المعاصرة وجدت في القانون الموحد على الجميع طريقا، ليس لعزل الدين أو منعه عن الناس أو محاربة التدين في الفضاء لعام، فان حق التدين من ضمن الحريات التي كفلتها الدساتير الإنسانية ومنها الدستور الأردني، ولكن الدولة المعاصرة وجدت في القانون الطريق الذي ينظم استخدام الفضاء العام، والذي يطبق على الكافة دون تمييز أو محاباة!
ولهذا فإن آراء أصحاب الديانات السماوية عن بعضها أو رأي كل فرقة منها عن الأخرى – ومنها ما يكفر بعضه بعضا – لا يجوز أن تحل محل القانون الذي يطبق على الجميع بحياد! وهذا لا يتعارض مع مساندة القانون والدستور لحرية الاعتقاد وإقامة الشعائر كما أشرنا.
وفي هذا السياق فإن وثيقة المدينة التي وضعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت سنة وقانونا لاستيعاب وتنظيم العلاقة في المجتمع في حالة تنوع المعتقدات فيه، وقد أسست لفكرة القانون العام كحل لضبط العلاقة بين الناس ولضبط علاقتهم ببعضهم في الفضاء العام بدلا من المشاعر والآراء
ما كان ينشرح صدري كما ينشرح وأنا أستمع إلى القارئ عبد الباسط عبد الصمد، وهو يتلو بشرى رب العزة للسيدة مريم ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)، وأيضا وهو يتلو(اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي عظيما مبشرا، المسيح عليه السلام ومن فضاء القرآن العظيم موقعه في قلوبنا جميعا، هذا هو الكلام الفصل جنابكم.