مفاهيم خاطئة عن “الضمان”

{title}
أخبار الأردن -

سلامة الدرعاوي

المستمع لحديث بعض السادة النواب وتعليقاتهم حول المشروع المعدل لقانون الضمان الاجتماعي، يتأكد من أن هناك جهلاً كبيراً “غير مبرر” إطلاقاً في كلماتهم التي من المفترض أن تكون مبنية على المعلومات الصحيحة، تميزهم في طروحاتهم عن باقي فئات المجتمع، فلا شعبويات ولا إشاعات يجب أن تكون هي محور ومرتكزات أحاديثهم خاصة في الشأن الاقتصادي الذي يتطلب خطاباً وازناً.

بعض النواب يتحدث بما يتحدث به العامة من المجتمع بأن أموال الضمان الاجتماعي هي أموال ومدخرات الشعب الأردني، هذا كلام خاطئ جملة وتفصيلاً، لا بل هو مرفوض رفضاً قاطعاً، لأن أموال الضمان هي أموال المشتركين الذين يزيدون قليلاً على الـ1.4 مليون مشترك، بينما يناهز سكان المملكة الـ10 ملايين نسمة، قد لا يتجاوز الأردنيون منهم الـ60 %، وبالتالي لا يجوز الاستمرار بهذا الوصف العشوائي لأموال الضمان لأن لها مالكين هم مشتركو الضمان بغض النظر عن جنسياتهم.

آخرون يختلف عليهم صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، فتارة يتحدثون عن الصندوق على اعتبار أنه المؤسسة والعكس صحيح، لكن ليس هذا المهم، بقدر ما ينظرون إلى أن هذه المؤسسة يجب أن توجه عملياتها وخططها مثل أي مؤسسة أو وزارة حكومية، وأن تكون جزءاً من العملية الاقتصادية الوزارية باعتبارها أو اعتبارهما مؤسستين حكوميتين، وهذا أيضاً غير صحيح إطلاقاً لكونهما مؤسستين أهليتين ليس للحكومة عليهما من سلطات إلا بحكم ما سنه قانونهما، والمؤسستان تمتلكان استقلالية تامة في إدارة شؤونهما بعيداً عن القرار الحكومي، وتملكان القدرة والصلاحيات لقول “لا” لرئيس الحكومة في أي طلب يطلب منهما، وقد يسأل البعض عن هاتين المؤسستين إنْ خضعتا لضغوطات حكومية أثرت على العديد من قراراتهما، وأجيب بأن هذا صحيح، ومن يتحمل مسؤولية ذلك هي الإدارة التنفيذية لهاتين المؤسستين اللتين رضيتا الخضوع للتدخل الوزاري أو الحكومي في شؤونهما رغم الاستقلالية القانونية الكاملة التي منحت لهما، فالمسؤولية تقع على من أساء استخدام القانون وتوظيفه بالشكل غير المهني الصحيح، وهناك حالات شاهدة كثيرة على سلوكيات الإدارات التنفيذية لهاتين المؤسستين في رفض كافة أشكال التدخلات الرسمية في قراراتهما.

الموضوع الأهم والذي يشكل دائماً حالة من اللغط في المجتمع انتقل جزء منه لبعض النواب في اعتقاداتهم، وهو موضوع إقراض الحكومة من قبل صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي والذي يناهز اليوم ما مجموعة الـ7.7 مليار دينار من أصل 13.6 مليار دينارها موجودات ” صندوق الضمان الاجتماعي حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي.

في هذا الصدد لا بد من توضيح بعض الحقائق الغائبة عن الكثير من فئات المجتمع ومنهم بعض النواب، وهو أن الصناديق المالية على اختلاف أنواعها من رسمية أو أهلية أو خاصة، أكثر ما تستثمره هو في أسواق السندات ليس في داخل بلدانها وإنما أيضاً في الخارج، وهناك بعض الصناديق الكبرى التي تناهز نسبة الاستثمار في السندات ما يزيد على 80 % من مجموع موجوداتها الإجمالية، وليس النصف تقريباً كما هو في المشهد الأردني، السبب يعود في ذلك إلى الربحية العالية التي تحققها الصناديق من الاستثمار في أسواق السندات التي تتميز بمخاطر قليلة وعائد مالي مجز أعلى مما هو عليه في باقي المحافظ الاستثمارية، وإذا ما دققنا في المحافظ الاستثمارية لصندوق الضمان حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي نجد أن محفظة السندات تشكل ما نسبته 55.7 % من إجمالي موجودات الصندوق والبالغة 13.6 مليار دينار، وقد حققت عائداً استثمارياً بلغ 5.9 %، وهو أعلى عائد معدلات العوائد التي حققتها المحافظ الاستثمارية للصندوق مقارنة مع مستوى المخاطر المتدني المرتبط بها.

للعلم فإن دخل صندوق الضمان حتى الربع الثالث من العام الماضي بلغ 505 ملايين دينار، أكثر من 67 % منها عائدة لمحفظة السندات.

مشاركة الصندوق في السندات لا تكمن بما يصوره البعض بأنه قرار حكومي موجه للاقتراض من الصندوق، فهذا مفهوم مغالط ومعاكس لحقيقة الوضع، وهو أن الحكومة من خلال البنك المركزي تطرح سندات دورية للسوق يدخل فيها غالبية الجهاز المصرفي والصندوق، ومن يقدم سعر فائدة أعلى تحال عليه السندات، فالأمر يخضع لتنافسية السوق، والبنوك تحصل على جزء كبير من هذه السندات، وفي بعضها يخسر الصندوق ولا يشارك لأن هناك بنوكاً دفعت أفضل حسب معطيات السوق، لذلك كانت إدارات الصندوق حريصة على استثمار أموال مشتركيها بأفضل الطرق وأكثرها تحقيقاً للعائد وهي محافظ السندات التي ينتقدها الكثير دون علم أو معرفة، مثلها مثل الكثير من الإيجابيات الاقتصادية التي تتحول لسلبيات في أذهان الكثير دون تمحيص أو تدقيق لمعلومة الصحيحة.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير