تجييش المجتمع
د. مصطفى التل
كثيرا ما نسمع عن جرائم وقعت داخل مجتمعنا , وهذه الجرائم تقع داخل أي مجتمع كان , جرائم القتل أعلاها خطورة , وأكثرها مقتا تلك الواقعة على الأرحام أو الأصول أو الفروع داخل العائلة الواحدة .
وسائل الاعلام المختلفة تبدأ بتناقل الأخبار , بأساليب تحريرية للخبر وعنوانه , تؤهلك نفسياً لتقبل طرف على حساب طرف آخر في القضية , وتضع الطرف الغائب في الخبر مكان الشيطان نفسه .
اضرب بمثال حي هو الأقرب لنا كحدث , وهو جريمة البلقاء والتي اطلق فيها الاب الرصاص الحي على أبنائه فقتل الأول وأصاب الثاني وأصاب شقيتهم بطريق الخطأ غير المقصود وتوفيت رحمها الله تعالى يوم أمس .
بداية الحادثة بدأت وسائل الاعلام تناقل خبر ( اب يقتل ابناءه رميا بالرصاص في البلقاء ) , الرأي العام تألّب على الأب , ووضعه بصورة شيطان , وبدأت التحليلات تنطلق , يمنة ويسرة .
تم تغطية جانب واحد من الحدث , وهو اطلاق رصاص حي على شباب في عمر الورود الملائكية , من طرف الاب القاتل الشيطاني , وبدأت الشتائم وتكوين رأي عام ضاغط حتى على مجريات التحقيق الأمني في القضية , والمحققون هم بشر مثلنا يؤثرون ويتأثرون بما هو محيط بهذا المجتمع .
عندما تم نشر الرواية من الطرف الآخر من القضية والذي كان مغيباً تماما عن وسائل الاعلام وما تناقلته , اتضحت الرواية التي وازنت الأولى , وان الأب الشيطاني نفسه كما صورته وسائل الاعلام تحوّل من جاني شيطاني , الى ضحية تحفّه الملائكة من كل جانب , يدعمه الكثير من أبناء المجتمع , وتحول الغضب من الحادثة نفسها الى طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع أبنائه المدمنين على المخدرات , وان الأب نفسه سلم ابناءه للمكافحة بيديه , ما لبث أن اطلقتهم الجهات الرسمية ليعودوا الى بيتهم وايذاء الام بحرق وجهها , وتهديد الاب , فما كان من الاب الا أن اطلق الرصاص على فروعه الفاسدة التي يقول أنه لا يريدها , كون ان الأجهزة المختصة لم تراعي حرمة بيته ولم تراعي سلامته وسلامة اسرته من هؤلاء الفاسدين المفسدين , فإنه سيُخلص المجتمع منهم بيديه .
وهنا دعوني اطرح مجموعة أسئلة حول الاعلام ومحركاته وحياديته , هي أسئلة مطروحة مسبقا بمجموعة دراسات مختصة وندوات تتعلق بنفس الجانب :
هل الإعلام ووسائله أدوات تتحرك بذاتها أم هناك مَن يحركها ويلعب بخطوطها وخطِّها وخُططها؟
وأيضا: هل مَن يدفع كل هذه الأموال الطائلة في مجال الإعلام وخاصة الإعلام المرئي هل ينفقها لينقل إلينا الحقيقة فقط ويعلمنا الحياد في نقل الأخبار والأحداث فقط؟
وإذا سلمنا أن هذه الوسائل تتحرى الحيادية فيما ترسل من رسائل وتطرح من أفكار؛ فهل يا تُرى ترسلها من أجل تلك المعلومات والأخبار فحسب أم أن هنالك أهدافاً خفية وراء هذه العملية؟
سؤال آخر هل مَن يقوم على هذا الإعلام أو ذاك ويموله استطاع أن يتجرد من إنسانيته ليخفي كل ميوله وكل رغباته وتطلعاته؟
أتوقع أن الإجابة على هذه الأسئلة ومثيلاتها توضح لنا إن كان هنالك فعلاً ما يسمى بالحياد في الإعلام، أم أنها أوهام سيقت للناس، مع إيماننا أن هنالك نسبيةً في مسألة تطبيق المهنية وأخلاقيات العمل الإعلامي بكل أشكاله.