رغم الإعاقة.. نُسيبة تحترف فن الفسيفساء بأسلوب إبداعي

{title}
أخبار الأردن -

تستيقظ نُسيبة كل صباح مُقبلةً على الحياة لتجمع في لوحات أخاذة، صبرها وفنها وقدرتها على الصمود ونشر الفرح، على الرغم من أن ذلك على حساب صحتها وساعات العمل الطويلة وطموح وأمنيات لم تتحقق.

وكل يوم، تستدعي نُسيبة تصميمها على العطاء والتحدي؛ لتسجّل انتصارا تلو الآخر على إعاقتها السمعيّة وهي تُحاكي الإنسان القديم في نظم حجارة الفسيفساء في لوحات وجداريات هي أجمل فن عرفه البشر.

إنها نُسيبة حسين قبيلات، القاطنة في بلدة مليح جنوب محافظة مادبا، اجتازت رغم إعاقتها الثانوية العامة بمعدل 71 بالمئة ثم اختارت دراسة الفسيفساء رغم تعقيدات هذا الفن، فأكملت مسيرة كفاحها في معهد مادبا لفن الفسيفساء والترميم، وتخرجت فيه بشهادة الدبلوم، وبمهارة وحرفية استطاعت فيها أن تتجاوز مهارة الإنسان في ذاك الزمن الفسيفسائي القديم.

ترحل لوحات الفسيفساء من الأردن مع الزوار والمغادرين لبلدانهم، فيعلقونها على الجدران ويشاهدها المنبهرون بحرفية تصميمها، لكنهم، لا يعلمون أن شابة ذات إعاقة تقطن في قرية تجلس أيام أمام لوحاتها لكي تخرج بكل هذا الإبداع.

ونحن نشاهد الإبداع في لوحات الفسيفساء المعلّقة على الجدران، كيف هو شعورنا إذا ما عرفنا أن كل هذا السحر نتاج ثلاثينية ذات إعاقة لا تسمع أبداً ولا تنطق؟ وهل يكفي هنا أن نصفق لها على هذا الكفاح الذي جعلها تقدّم نفسها مثالاً ودرسا يتعلّم منه الأصحاء؟.

يقول والدها حسين قبيلات: يومياً تتحفنا فئة ذوي الإعاقة بالإبداعات، بالمقابل نصمت أمام مطالبهم البريئة التي تتمثل بالعمل وتسهيل الحركة وإدماجهم بالمجتمع، بل يأخذ الأصحاء حق هذه الفئة التي يسعى أفرادها بمرارة لأجل العيش الكريم، لكن المجتمع لا يرحم ويحاسبهم على إعاقة هي مشيئة الله وليست من اختيارهم.

وتكتب لنا نسيبة كونها لا تنطق: تفرح كثيراً عندما يُثني الناس على لوحاتها، لكن هذا الثناء -حسب قولها- لا يحقق طموحها بالعيش الكريم، فهي وبعد تخرجها عادت إلى معهد فن الفسيفساء تعمل على حساب المشاريع؛ أي شهرين إلى ثلاثة أشهر فقط ثم تجلس بالبيت.

وتضيف: "دوري في ديوان الخدمة المدنية هو (واحد) على محافظة مادبا ولواء ذيبان، لكنني انتظرت كثيرا عند هذا الرقم دون أن تأتي الوظيفة رغم حاجتي أن أعمل وأُساعد والدي الذي يعيل أسرة من 7 أفراد يوجد بينهم أخ آخر من ذوي الإعاقة".

ومن بين المعاناة يصف والدها المتقاعد من صندوق المعونة الوطنية، سعادته بابنته الغالية ذات الشخصية والطموح، فيقول: "حصلت على رخصة قيادة من أول محاولة، وهي ذات تصميم بلا هوادة إذا ما أرادت تحقيق هدف".

ثم تغيرت نبرة والدها، قائلا: "ليتها تتوظف لكي تشتري مركبة تذهب بها إلى عملها لترى نفسها مثلها مثل غيرها من الأصحاء"، مضيفاً "هي تريد مساعدتي بأي طريقة".

ويتابع: نُسيبة ذكية لدرجة أنها تفهم ما يريده الآخرون من خلال حركة الشفاه أثناء حديثهم ودون أن تسمع، الشيء الذي يجعلها تذهب صباحا وحدها بالحافلة من قرية مليح إلى مدينة مادبا، ثم راجلة إلى المعهد الواقع وسط المدينة، حيث العمل المؤقت الذي تتمنى أن يكون دائماً، ففيه تجد شغفها ودراستها وفنّها وهو بوابة لتصدير موهبتها إلى العالم الخارجي.

ويصفها معلمها في المعهد الدكتور مشهور طفيحات بالدقة المتناهية ذاتها قائلاً إن "نُسيبة جادة بعملها وتفهم سريعا العمل الذي نريده"، ويقول: "حتى اللوحات التي يُراد فيها كتابة أسماء، تقوم بها نسيبة على الخصوص كوننا نثق بعملها ذو الحرفية سواء في تصميم الأشكال أو الأسماء وهي من أفضل خريجات المعهد".

تقف هذه المبدعة على مفترق طرق، وتحزن وهي تجد نفسها مرة بعمل يومي ومرة بلا عمل، وتقول: أريد أن أشعر أنني درست وتعلمت هذه المهنة النادرة كي أعمل بها، لا أريد الندم على طموحي أو أن أنظر إلى لوحاتي دون أن أكون سعيدة. (بترا)

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير